الساطة في لغن
من المعروف أن الفصاحة والبيان دعامتان أساسيتان في توصيل الأفكار للآخرين من خلال الكلام العادي أو الأدب بشتى مجالاته فغاية المتحدث هي أن يُفهم مايقول على الوجه الذي أراد هو أن يفهم عليه، ويتباين الخطباء والشعراء في قدرتهم على توصيل أفكارهم للمتلقين فمنهم من يفلح ببساطة عبارته وحلاوة لفظة في امتلاك القلوب قبل الآذان ليبث فيها مغازي كلامه وإن بعدت،
فبحرفيته في تناول المواضيع يقرب البعيد من الأفكار ويلين الشديد من المعارف ليصبح في متناول الجميع على تفاوة ملكاتهم الفطرية وأرصدتهم المعرفية
وسنتناول في هذا الموضوع * البساطة العميقة في الشعر الحساني " لغنَ " * وهي أن يتمكن " لمغني " من الإتيان بفكرته العميقة والمبدعة بأسلوب بسيط اللفظ جزْل العبارة قريب المأخذ وسنبدأ معالجة هذا العنوان بطلعة الأديب الكبير الشيخ ول مكينْ التي يقول فيها
اغفرلِ يالشفاع = دهْرْ امْضَ من لوْجاعْ
باجَّالَ دهْرْ اكراعْ = لعجولْ انخوظْ ازْمانْ
اخلاگِ فالتلياعْ = منُّ والفِگْدْ اگْرانْ
واغْفرْ دارْابلفْراعْ = وادْوَيْرِتْ بِالنِّعْمانْ
اغفرْهَ هيَ گاعْ = افصلْهَ فالغفرانْ
فهذه الطلعة بسيطة الألفاظ أنيقة الأسلوبة وعذبة المقصد فالشاعر عبر فيها عن فترة من عمره انقضت بملاعب شتي كان فيها يستمتع بما أتاحه الدهر له من أنس و وصال مع من يعْذبُ وصاله من أحبة مفتتحًا "الطلعة " بطلب الغفران من الله على ماقترفه في تلك الملاعب من طيش مستحضراً قول الشاعر
" لإن جنيت على نفسي ساعترف * قد يغفر الله للعشاق ماقترفوا " .
ومن أعذبِ ماجاء في الموضوع قول المصطفى ول الفغ اعمر :
تاسدبتِ منْ عندْ = الدشرَ متفكدْ
عنِ خظتْ اعلَ غردْ = اجَبق لَصْفِرارْ
وامشيتْ ؤُكنت انكدْ = نعطِ ليلَ وانهارْ
غيرْ اتْشيْبينْ إردْ = عنْ ياسر منْ شِ سارْ
يلاّلِ مثقلْ حدْ = ماهُ مخصورْ اخبارْ
وهذا غاية في السلاسة والإمتاع فمن سردهِ المحترف إلى لفظه القريب الرائق و رصانتة المجلجلة، ولعل خاتمته الظريفة الطيفة هي مايفسر للسامع خلاصة ذلك السرد المتسلسلة لقصة الأديب عشية خروجه من المدينة ومروره بِ " غرد اجبقْ " عند الغروب وهو المكان المحبب إليه والذي كان بإمكانه أن يبيت فيه ويقيل لولا العمر، إن العمر لم يعد يسمح بدخول مغامرات كتلك التي خطرت ببال الشاعر قبل أن يسلم أفكاره للواقع الذي يفرض الاستقامة وتغليب العقل.
ويقول الأديب الكبير سيديا ول هدار :
ابْـلَدْ عتِّ فِيهْ انْجَوْلِيـــهْ = مَا عَيْنِ فـ ابْلَدْ عـتِّ فِيهْ
ابْـلَدْ عتِّ فِيهْ اشْلِ بِيـــهْ= = نَاترْ عَنّـــكْ ذِيكْ النَّتْــــرَ
مَرْجَعْ فَـ اخْبَاركْ مَا نسْمِيهْ = خَايفْ منْ شِ ثَانِ يَجْــرَ
أُ لاَ كَطْ ابْـ لَخْبَارْ الْحَكْتــكْ = خَوْفْ اتْشـكِّ عَنْهَ فخْــرَ
بيَّ تبْرِيمتْ مَظْحَكْتــــكْ = لخْرَ عَـنْ مَظْحَكْتكْ لخْــرَ
و لو عُرف السبب لبطل العجب كما يقال وإنه لمن العجب بمكان ماذكر الشاعر في ختامه لقطعته الرائعة من تبريره للموقف الذي أخذه من محبوبته وهنا لابد من الإشارة إلى أن الأسلوب الذي انتهجه الشاعر أسلوباً جميلا يعتمد على عدم المباشرة في الخطاب وتحميل الألفاظ معاني ربما تكون مقابلة لمعانيها الاصلية وذلك مايسمي ب " المڭفي " في اللهجة الحسانية.
وسنختتم هذه المعالجة المقتضبة للموضوع بمجموعة من " الڭفان " نبدؤها بالڭاف الشهير الذي لا يحضرني قائله الآن والذي يقول فيه :
أڭبيل أدحميس بنتِ = وأبلڭْـ ذاك أبليسْ
يحركْ بي أبليس وأنتِ = واكبيل الدحميسْ
ويقول الأديب عبد الله السالم ول المعلى في ڭاف يضيق المقام عن الإتيان بطلعته
واللهْ ماتمشي مافتنَ = ڭعدنَ لخبار أعلَ شِ
واللهْ زادْ إلا ڭعدنَ = لخبار اعلَ شِ ما تمشِ
ويقول الأديب محمد ولد محمدُ ولد عالي :
واللهِ يامنينْ اتلفتْ = اعلَ دارْ امشيرعْ لحجارْ
الَّ خفتْ امنْ النارْ اخفتْ = امنْ النارْ اخفتْ امنْ النارْ
وتجد الإشارة إلى أن الأمثلة التي أوردنا في هذه المعالجة جميعها من " لبتيت التام " وربما نعود لنعالج هذا الموضوع بأمثلة من بحر آخر إن شاء الله وفي النهاية تقبلوا تحياتي .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق