الخميس، 14 أبريل 2016

محمد لغظف ولد أحمد


فضل الحمار على السيارة:
الحمار ذو أدب وحياء، يسير بصاحبه صامتا، ولا تشرع السيارة في السير إلا بعد أن تصيح وتعطس لا رحمها الله. ثم إنها على كثرة أرجلها وضخامة محركها، تتعثر إذا دخلت في رمل ليّن، فيستعير الحمار عجلتين منها ويحمل أضعاف ما حملت ثم يمر أمامها وليس له من محرك سوى جسم صابر ولسان صامت وطمأنينة
تضاهي وقار الرهبان.
ثم إن السيارة لا تلد والحمير تلد وتتكاثر، وربما استعمل الرجل أتاناً في غدوه ورواحه، فإذا مضت عليها خمسة أعوام أنجبت له من الحمير ذكرانا وإناثا، وذهبت إلى خالقها صابرة وقد تركت لمالكها ذرية صالحة يعزي بها نفسه. وإن السيارة لتقضي عند ربها سنة واحدة فتذهب بشبابه وماله، ولا تترك له إلا حزنا في القلب وكآبة في المنظر وقد ذهب ماء وجهه ومرعاه من تعهد الميكانيكي، فيوما تشكو المروحة، ويوما يسعل المحرك ويوما تنفد البطارية ويوما يصوم الكابح ويوما يبلى أنبوب البنزين، فأمراضها تزيد وتعظم، ومن أعجب ما فيها أن عجلاتها تشيخ قبل شبابها، والراجح لدى أهل الرأي أن حافر الحمار أجود من أنواع العجلات.
وغير مستبعد أن يقفز متسرعٌ ويقول إن سيارةً عبرت من تنسويلم إلى مدريد وقت كتابتي هذا الكلام وتركتْ حمارا لما يجتز بعد عشرة أمتار. والجواب قريب، فالحمار يتأنى بصاحبه حتى يلقى النسيم وينظر في ملكوت الله ويتأمل حال الدنيا، فهذا محل جديد وذاك حانوت قديم، وهذا يبيع وتلك تشري وأولئك يتخاصمون، ثم إن في التأني السلامة وفي العجلة الندامة، وهذا الحمار عينه إذا وصل ملتقى مدريد وجد نفس السيارة وقد تعطلت لحادث فتركها خلفه.
فالذي عليه المحققون أن الحمار أنسب وأرأف، والعاقل من أخذ الأمور بحزم وتـرَوٍّ، فسعر العلف نازل، وسعر المحروقات شب عن طوق الجاذبية، والذي يدمن السيارة في هذه الأيام قد ينقص عقله وربما أشرف على الجنون من هول ما عانى، ولقد دخل علينا في المحل رجلٌ شديد غبار الشعر لا يعرفه منا أحد، في يده مفتاحُ سيارته وقد أبت الحركةَ بعد أن حرمها الغداء، فصاح بنا سائلا: "ما فيكم حد عندُ رقم الرئيس"؟ عشتم طويلا.

ليست هناك تعليقات :