الأربعاء، 22 يوليو 2015

Khaled Elvadhel نشوة الألم!

 
نشوة الألم!
في ثلث الليل الأول عندما تأتي رياح باردة فتوقظ "شبيحة" البكتيريا و"بلطجية" الألم في قاع ضرسك ستندم على أرث طويل من أكل الشكولاته والخبز الساخن،وربما تفكر في رفع قضية على مستوردي الأدوية لأن تلك المعاجين التي كنت تستخدمها ربما صنعت من الأرز النقي،فتهرع إلى الصيدلية فتعطيك تلك الفتاة الشبيهة بفرشاة الأسنان مسكنا من فئة 400mg فتستخدم حبتين دفعة واحدة،وبعد معارك طاحنة ترفع البكتيريا الراية البيضاء فيغادر الألم دون أن يكمل مأموريته المفترضة،فتشعر بسعادة عارمة تجعلك تظن أن خلفاء الدولة العباسية يشعرون بالغيرة منك ففي عهدهم لم تكن توجد هناك مسكنات الألم،ومن فرط سعادتك تظن أن نسبة البطالة في موريتانيا 1%،وأن المطر كان ينهمر على العاصمة منذ ساعتين لكنه توقف فجأة ودون أن ترى قطرة واحدة في شوارعها،وأن تلك الأموال التي تم التبرع بها لمنتخب المرابطين خرجت للنور وتم استثمارها في تشييد ملعب كبير يتسع لمليون شاعر،وأن هناك فيديو يتم تداوله أثار ضجة هائلة والكثير من الاستغراب ويظهر فيه مواطن يتبول قرب المجموعة الحضرية،وأن الوزير الفلاني في الحكومة الفلانية قدم استقالته بعد تهم وجهت له بأخذ بعض الرشاوى..
ذلك الألم في ضرسك يجعلك تضع الوسادة فوق رأسك وتتخيل وكأن أحدهم يأخذ إبرة حادة ويحركها في أعماق ضرسك،بالرغم من أن المسافة بينك وبين الناس من حولك ضئيلة إلا أنهم لا يشعرون بك لأنك لا تصرخ ولا تتأوه،لذلك أصدق ديكارت حينما قال إن المظاهر خداعة،فوراء ذلك الزجاج اللامع وتلك الكلمات المبتهجة ربما يختبئ جرح عميق!
فلا تحسبوا ذلك الصامت الجالس بأدب لا يجيد الكلام ربما يتقن عدة لغات،ولا تحسبوا ذلك الجالس في سيارة راقية ومعتمة وهو يمر على المتسولين دون أن يوزع النقود بخيلا ربما يكون مجرد "شفير"،ولا تحسبوا تلك السيدة التي تتمشى في زقاق ضيق في ليلة باردة بائعة هوى ربما تكون أما لعدة أيتام وتبحث عن دواء لطفلها المريض،إذا رأيتم رجلا يسكن في أرض جرداء وقاحلة لا تتهموه بالجنون ربما يبصر في باطنها ما لا تبصرونه أنتم،وإذا رأيتم شابا أنيقا يمشي بمحاذاة الشارع لا تحسبوه "سدار" ربما لا يمتلك "باص"،وإذا رأيتم أحدهم شارد الذهن لا تحسبوه غائبا ربما يحاول أن يستمع لنبضات قلوبكم!
وحدها نشوة الألم تجعلك ترى الحياة صقيلة وناصعة البياض،ووحدها آلام الضرس تجعلك تدرك أن زوال الألم ربما يكون أكثر لذة من اللذة نفسها!
نواكشوط الشمالي(الحي الإداري)...والساعة 16:36

ليست هناك تعليقات :