عندما استدعاني الرئيس .. !!
حبيب الله ولد أحمد
بدأت أجهزة الدولة تحضر للمؤتمر الصحفي الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية يوم 5 مايو 2015.
كانت هناك لوائح تأتى من "الخلية الإعلامية بالرئاسة" ومن خيرة القائمين على "التلفزة الرسمية" ومن
"الفيلق" الإعلامي بوزارة العلاقات مع البرلمان ومن الجهات "الإخبارية" بحزب "الإتحاد من أجل الجمهورية"حبيب الله ولد أحمد
بدأت أجهزة الدولة تحضر للمؤتمر الصحفي الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية يوم 5 مايو 2015.
كانت هناك لوائح تأتى من "الخلية الإعلامية بالرئاسة" ومن خيرة القائمين على "التلفزة الرسمية" ومن
كانت الحركة دائبة عبر هذا "الأخطبوط"، ومن حين لآخر تحذف أسماء وتضاف أخرى، حسب تقلب مزاج الرئيس الذي يراجع اللوائح كما يراجع تلميذ في الابتدائية دروس امتحانه النهائي..!!
كان من المهم لدى السيد الرئيس أن تكون اللائحة "مريحة" بالنسبة له، فالصحفيون المشاغبون يفسدون المؤتمرات الصحفية، وربما أخرجوا الرؤساء من وقارهم و"أحرجوهم" ليظهروهم بمظاهر غير ديمقراطية أحيانا.
الصحفيون الذين سيقابلون الرئيس ـ والذين قابلوه مرات سابقة ـ يتم التعامل معهم "سرا" كما يتم التعامل مع "الكباش" التي تعبر النهر من موريتانيا إلى السنغال أياما قبل "العيد الكبير" ، والتي يجب أن تكون "سمينة" و"سليمة" و"صالحة للأضحية".
و"السمنة" و"السلامة" و"الصلاحية" ضرورية، لكنها تختلف ـ معياريا ـ بين "الصحفيين" و"الكباش"، وإن لم تختلف كثيرا نظرة "الجزار" إلى "الكبش" عن نظرة "الحاكم" إلى "الصحفي"..!!
لم أكن أحلم يوما بدخول القصر الرئاسي، لا رئيسا ولا مرؤوسا، فأنا أعرف قدري، وأجلس دونه بشبرين وذراعين .
عشرون عاما وتزيد، وأنا مضاف إلى مهنة الصحافة إضافة وقعت ـ كعادتها ـ لأدنى سبب ، ومع ذلك لم أشارك أبدا في مؤتمر صحفي رئاسي، أو نشاط حكومي، أو زيارات رئاسية، أو وزارية، ولأسباب عديدة لستم بحاجة لأن أشرحها لكم ، فيعضكم يعرفها ،وبعضكم لاتهمه كثيرا.
تعودت على الغياب أو لنقل "التغييب" عن مثل تلك الأنشطة، لدرجة أنني سأصدم كثيرا عند دعوتي لها، وأفضل أن أبقى بعيدا عنها أو مبعدا عنها ،لأن ذلك قاعدة وما سواه استثناء يصل حد الصدمة.!!
ولكن فجأة ـ نعم فجأة .!! ـ رن هاتفي وكلمني الرئيس محمد ولد عبد العزيز شخصيا، وأصر إصرارا غير مسبوق على دعوتي للمشاركة في المؤتمر الصحفي القادم.
لم أصدق الأمر لكن صوت الرئيس ـ الذي كان واضحا وبنفس النبرات التي أعرفها في خطاباته وبنفس طريقة النطق ـ قطع شكي باليقين .
لماذا تذكرني، و هل يعرفني أصلا، ومن أين له برقمي، ولماذا أنا بالذات.؟!!
أسئلة حاصرتني وأنا أفكر في جواب أقوله للرئيس.
سأحضر، لا لن أحضر فأنا مشغول .
تلعثمت كثيرا، فالدعوة شخصية ومفاجئة، وغريبة وصادمة.!!
كيف نسيتني "الخلية الرئاسية" و"التلفزة" الرسمية و"وزارة العلاقات مع البرلمان" و"الأذرع الإعلامية" لحزب "الإتحاد" و تذكرني الرئيس..؟!!
كان الرئيس حازما وصارما :"حبيب ضروري أن تحضر معنا واعتبره طلبا قبل آن أحوله إلى أمر"
ماذا علي أن أقول، وهل يمكنني أن أعصي أمرا للرئيس، ومن أنا حتى ارفض طلبا يرقص الجميع على رجل واحدة لو وجه إليهم.؟ّ!!
يبدو أنني في غمرة الذهول ـ وتحت الصدمة ـ ضغطت ـ مرتبكا مرتجفا ـ على زر "إنهاء المكالمة" فى "صينيتى"..!!
شعرت بحرج كبير، ثم تذكرت أن الرئيس لن ينزعج منى، فهو نفسه أمر بوقف بث التلفزة الرسمية على الهواء غاضبا، درجة طلبه من الصحفيين الانسحاب، وإبداء استعداده لإنهاء مؤتمره الصحفي.
ومن قطع البث عن ملايين المشاهدين، في ثورة غضب، ـ وبتلك الطريقة الفجة ـ لن يستغرب أن يقطع مواطن بائس ضعيف مرتجف مكالمة عابرة.ا
في الواقع هاجمتني أسئلة لا حصر لها وأنا أقطع مكالمة الرئيس بالخطأ.!!
هل علي الذهاب إلى الحمام التركي أو البخاري..؟!!
أين سأجد "كوستيما" لائقة ومتكاملة مع أحذيتها وب"مقاسات" تناسبني (التصريح بتلك المقاسات لابد أن يثير جدلا مثل تصريح الرئيس بممتلكاته) .!!
هل تكفيني "لبسة" طبيعية عادية من "خنط" شعبي غير مكلف.؟
وما هي طبيعة الأسئلة التي علي أن أطرحها من بين كل "الكلمات المتقاطعة" التي تشغل بال المواطن.؟!!
الحوار، اكتشاف كميات نفط وغاز جديدة ،ارتفاع الأسعار، مشاكل الشباب، والبطالة، والفقر، هشاشة التغطية الصحية، والتعليمية، الملفات الأمنية محليا وخارجيا ،سياسة التعيينات، ملف إسحاق ،وولد صلاحي، وولد عبد العزيز، وولد يطن، ملف الحراكات الاجتماعية، والفوضى الإعلامية، وغياب الدولة، وعائدات النفط والذهب والحديد والنحاس والصيد، ومشاكل الزراعة والتنمية، وشكاوى الطلاب في الداخل والخارج، وغياب تطبيق القوانين واتفاقيات الصيد مع الأوروبيين، والعلاقات مع الجزائر والمغرب، والموقف من الصراع في مالي، ومظالم الأطباء والممرضين، والأساتذة والمعلمين، وفوضوية استيراد وتوزيع الأدوية وغياب مراقبة جودتها.
وكانت فكرة غريبة تسيطر على مخيلتي، وهي أن أقضى الأيام التي قبل المؤتمر الصحفي مع أحمدو ولد الوديعه، لأتعلم منه طريقة طرح أسئلة مثيرة لخطف الأضواء من الرئيس، وإخراجه من القصر و"المدنية" ـ بمجرد ملاحظة ـ إلى "الثكنة" تصرفا وسلوكا وعقلية، أو مع شنوف لأتعلم منه السير في حقل "ألغام" الأسئلة التي لا تزعج الرئيس، ولا يراد منها إزعاج معارضيه ، أو مع أبى المعالي لأتعلم منه طرح أسئلة محددة "الجرعات"، ومحسوبة "الخلطات" ،التي لا يراد منها علاج مرض، ولكن يحرص على أن لا تفاقمه أو تعثر شفاءه،أو مع حافظ الغابد لأتعلم بهدوء طرق أبواب الأسئلة المحرجة دون فتحه على مصراعيه.
أو حتى مع الرئيس نفسه، لأتعلم منه الطريقة التي تجعلني أطرح سؤالا دون انتظار جواب محدد، ولأعرف أن مجرد ظهور وجهي الكريم ـ بربطة عنق أو بدونها ـ بأسئلة قيمة أو تافهة هو منة رئاسية وإكرامية، لا تقل عن "خلع" ملك لردائه على شاعر، وكان تصرفا رمزيا كبيرا أيام عز الملوك العرب، ولا أدرى ولا أريد أن اعرف هل كانت عزة الملوك بألسنة شعرائهم، أم أن عزة الشعراء ب"أعطيات" ملوكهم.
المهم قررت أن أرد على مكالمة الرئيس لأعتذر عن قطعها لا إراديا كما ينقطع التيار الكهربائي يوميا عن العاصمة ولأقول له إنني ... قد لا أجزم له بالحضور، لكنني أضعف من أن أعتذر عن تلبية دعوة رئاسية، قد تتحول من طلب إلى أمر، فيقذفني الحرس في مقعدي عنوة ، وأنا مكبل بالسلاسل مثلا، و معي ورقة أسئلة "مدسوسة" في جيبي، لا ينبغي لي أن أتقدم عنها أوان أتأخر.
رقم الرئيس مع الأسف كان مخفيا، ولذلك لم أستطع مهاتفته، خاصة وأننى كنت مستغرقا في النوم وأحلام "الحموضة"..!!
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق