السبت، 24 مايو 2014

أدي آدب لا تنتخبوا "الحَفَّارَ" .. في مَنَاجِم الشعر

لا تنتخبوا "الحَفَّارَ" .. في مَنَاجِم الشعر

لكلٍّ آلاتُ حَفْرِهِ،ومَجَالُ اشْتِغالِه،وأهْدافُه،ومَكاسبُه،وأنا -في الحقيقة- لن تَجْعَلَنِي أجْواءُ الحَمْلَةِ في بَلَدِي أدَّعِي مَا لاَ أمْلكُ،أو أظْهِرُ غيْرَ مَا أضْمِرُ،ومادامتْ يَدِي قاصِرةً ومُتَعَفِّفَةً عنْ تأجير حَناجِر الدَّعاية، في موْسِمِ النقيقِ، والمُكاءِ، والتَّصْدِيةِ،وليسَ هُناكَ مَنْ سَيَتطوَّعُ لي بذلك،فسوف أحُكُّ جِلْدِي بظفْري،وأعرب عن ميادين "حفري".
من هنا أعْتَرِفُ أمَامَكم تِلْقائيا، وبدون مُسَاءَلَةٍ، أنَّ مَنَاجِمَ الشِّعْر،أو حقولُ المَعْنَى، هي المَجالُ الذي يَسْتَهْوينِي الحَفْرُ في أعماقه،فقد كنتُ منذُ بِداياتي الشِّعْرية،أنْزَعُ إلى هذا المَنْحَى،ثم أخَذْتُ أطَوِّرُ آلِيَّةَ حَفْرِي،بحثا عن خصوصيتي حتى مَرَدَ أنَايَ الشاعرُ، علَى التَّمَاهِي معَ أنَايَ الباحثِ،عبْرَ جَعْلِ موْضوعِ القَصِيدَةِ دائمًا منْجَمًا للتَّنْقِيبِ،واسْتثْمَارِ المَعَارِفِ الحَافَّةِ به، واسْتِقْطابِ التَّدَاعِياتِ المَسِيسَةِ الصِّلة بجَوْهَره، والتي تخْدمُ -كلها- بلْوَرة فِكْرَةِ أو أطْرُوحَةَ هذه القِراءَةِ المُرَكَّزَةِ عَمُودَيًا،في عُمْقِ المَوْضُوعِ، بدَلَ الضيَاعِ في الشَّتَاتِ الأفُقِي، الذي دَأبَ عليْه جلُّ شعراءِ العَرَبِ القُدَمَاء، والمُحْدَثينَ، ممَّا سَاعَدَ علَى هَيْمَنَةِ تَفَكُّكِ الوحْدَةِ العضْوَيةِ، وهَلْهَلَةِ الوحْدَةِ المَوْضوعِيةِ فِي قصائدهمْ..
وهكذا كانَ جُلُّ مُقارَباتِي الشِّعْريةِ -إنْ جَازَ التَّعْبِيرِ- تَحْكمُهُ ذِهْنِيةٌ، يُمْكِنُ أنْ أسَمِّيهَا:"قِرَاءَةً فِي...."،إذْ سَبقَ لي أنْ أدْمَنْتُ قِراءةَ ما "بين الحاء والباء" من عوالمَ لا مُتناهية، وأسْرار مُطلْسَمَة،وقمْتُ بقراءةٍ في فُسَيْفِسَاءِ"الوُجُوهِ"،وتًلَوُّنَاتِها،وغصْتُ في عُمْقِ العيون،واسْتَقْرأتُ وحْيَها السِّحْري، كما قَدَّمْتُ –ضِمْنَ اسْتراتيجتي الشِّعْرية "الحفرية"- قراءةً أخْرَى "للكَفَّ"، وإيحاءاتِ خُطوطِ الأيْدِي، وحركاتها،وأسَّسْتُ من شُجُونِ الحَدِيثِ الشَّهْرَزادِي فرْعًا جديدا من الكيماء، سمَّيْتُه"كيمياءَ الكَلِماتِ"،وهِمْتُ في أوْدِيةِ الشِّعْر، وغُصْتُ في لُجَجِ بُحُوره، تنْقيبًا عن ماهية كلٍّ من "الشِّعْر الحَّار"،و"قصائد الثلج"،باعْتبارهما وجْهيْنِ لعُمْلةٍ واحِدةٍ، ثم خصَّصْتُ لــ "الناي" قِراءةً، جعلتْ تلك القَصَبَةَ الزهِيدَةَ تبْدو كائنًا وُجُوديا عظيما،شَبيهًا بـ "الصُّورِ"، من ثُقُوبِه،تُنْفَخُ الرُّوحُ ،وتُسْلَبُ.
هذا إضافة إلى" قِراءةٍ في الرَّمْلِ"،وفي "الأحْقاف شِعْرًا"،تأصيلاً لكِيانِ الإنسان،وأخْرَى في "النَّخْلة" أيضا، استقراءً لذاكِرَتِها الصَّحْرَاويةِ العَريقَةِ، المَشْحُونَةِ بأطيافِ العابِرينَ،وظِلالِ الأحْداثِ..إلى غير ذلك من القِراءاتِ.. والقِراءاتِ... التي نجحتْ خِلالَها آلاتُ حَفْرِي المُتواضِعةُ في اكْتِشَافِ مَناجِمِ المَعَانِي الدَّفِينةِ،ومُلامَسَةِ بُحَيْراتٍ جَوْفِيةً من "ماء الشعر"..إذا توضأت منها القصائد،دَبَّتْ فيها طاقةُ السِّحْر ...
وقد حرصْتُ أنْ تكونَ نتائج كلِّ حَفْرَياتي مُلْكًا مُشاعًا بعدالةٍ للجميع،ولم يَمَسَّها سُوءُ التسْييرِ الذي طالَ مَرْدُودِية مَنَاجِمِنَا الغنية،ولا عَبَثَ حَفْريَاتِنَا وتَنْقِيبَاتِنَا المَغْشُوشَة، لكِنَّنِي-رغْمَ كلِّ هذه الدِّعايةِ الشخصية،المَجانيةِ- أرْجُوكم ..لا تَنْتَخِبُونِي..لا تَنْتَخُبُونِي...فأنا لا أصلحُ"حَفَّارًا"،إلا في جمهورية الشعر،وأصْدَقُ مُرَشَّحِيكمْ –مَعَكمْ- مَنْ يَصْدَعُ فِي وُجُوهِكمْ اليومَ: لا تنْتَخِبُوني...لا تنتخبوني..لأن "الحافر يقع على الحافر" .و"من حفر حفرة للأخيه وقع فيها".

ليست هناك تعليقات :