الخميس، 18 يوليو 2013

الكاتبة الصحفية: بلقيس اسماعيل - موريتانيا القلم الأسطورة






القلم الأسطورة  

بقلم:الكاتبة الصحفية: بلقيس اسماعيل - موريتانيا
إبن الهرم والمئذنة ..هكذا كان إقتناعه ولهذين كان انتماؤه ,فلم ينفق وقتا أو جهدا في بذل الولاء لأصل يعربي لا يؤمن البتة بصدقيته..نجيب محفوظ روائي مصر الذي اتخذ من الحارة صورة للوطن وتمسك باستبسال بالمحلية فإذا به دون سابق موعد يلج العالمية.

.......................
لم يكن الفتى المشاكس يظن أن نهمه الشديد على قراءة الآداب والتاريخ , وأن ولعه الشديد بالكتابة سيدخله يوما في زمرة العظماء من الأدباء.. ولم يحسب الرجل الأشيب, متغضن الوجه , سريع النكتة, الذي كثيرا ما مشى على الأرض هونا, متجولا بين حواري القاهرة القديمة , نافثا دخان سيجارته التي لازمته منذ سني مراهقته, لم يحسب أنه على بعد خطوات من أهم إنجاز في حياته, وأنه سيكون أول عربي ينال جائزة نوبل العالمية للآداب.
.........................
كان من القلة الذين قرأوا فقط ليقرأوا وكتبوا فقط ليكتبوا, وكانت تلك أسرار نجاحه.. نادرا ما يغادر بيته إلا إلى المقهى لمنادمة "الحرافيش" كما يسمي شلته.ولعل بساطته تلك خولته الإنتباه إلى أشياء صغيرة وجزئيات لا ينتبه لها الكثيرون, ولذا تميز أسلوبه بدقة وصف الأماكن والأحداث وملامح الشخصيات , كما ميزته سلاسة الألفاظ وبساطة التراكيب اللغوية رغم تمكنه من اللسان العربي.
.........................
لم يسعه وهو المزهو بحضارة عمرها سبعة آلاف سنة, إلا أن يعير التفاتة إلى التاريخ الفرعوني وإلى الأمجاد التي آمن أن للمصريين الحق في الإعتزاز بها, وهناك كتب " عبث الأقدار, رادوبيس وكفاح طيبة", مجسدا عظمة الملوك وشهامة واستبسال الفلاحين المصريين ومستنشقا عبق القيم والمشاعر في تلك العصور.
.........................
تماما كمن عثر على كنز في منزله, وجد الكاتب ضالته في الحارة حيث ولد وتربى, ألفى فيها مرتعا خصبا للغته وفنه ومنها اقتبس مواضيعه.. إنتهج الأسلوب الواقعي فصور حياة الحارة الفقيرة بكل تفاصيلها عاكسا من خلالها نمط العيش في مصر على جميع المستويات واهتمامات المواطن البسيط, وهنا وجدت موهبته صداها وحقق معظم نجاحاته ,وفي مقدمة أعماله في هذه المرحلة ثلاثيته الشهيرة "بين الفصرين, قصر الشوق والسكرية".
.........................
كل ما حصده نجيب محفوظ خلال رحلته مع الأدب من أوسمة وجوائز وتقدير لم يشفع له فقد واجه الكثير من النقد والتشهير..القوميون رأوه عميلا منظرا للتطبيع ورأوا أنه تعمد تجاهل القضية الفلسطينية في أدبه, وأخذوا عليه أيضا تشبثه بالولاء لحزب الوفد وعدم اقتناعه بثورة 52 .. والسلفيون اعتبروه زنديقا مرتدا وأهدروا دمه ولذا تعرض لمحاولة اغتيال كادت تودي بحياته.
..........................
بين الحادي عشر من دجمبر 1911 والثلاثين من أغسطس 2006 كانت حياة نجيب محفوظ , حياة مديدة واكبت إحدى أكثر فترات العالم عموما والعربي خصوصا أحداثا, ولكنها لم تؤثر في نمط عيشه وطبيعة تعامله مع الأمور.. ظل محبا لحارته ورفقته, ملازما في أكثر الأحيان لبيته وظل أيضا مبغضا للسفر حتى أنه أرسل صديقه "محمد سلماوي" لتسلم جائزة نوبل وإلقاء الخطاب بالنيابة عنه.
..........................
تحكي مسكته القلم في عيد ميلاده الأخير ليوقع على نسخة من كتابه " أصداء السيرة الذاتية", تحكي تلك المسكة المتشبثة القوية رغم الضعف قصة صحبة دامت زهاء قرن من الزمان ..صحبة عشقها عشقا, ضحى من أجلها وسخر حياته بكل جزئياتها لها .

ليست هناك تعليقات :