استقلال "الاستقلال"
استقلال "الاستقلال"
--------------------------
حزب الاستقلال المغربي لس حزبي. أبداً. لقد تطور بسرعة من نموذج الحزب الوطني في منتصف الخمسينيات إلى أن صار تجمعا كبيراً لأعلى البرجوازية، وأصبح يترجم المصالح الإقطاعية العتيقة ويرقي أبنائها، المتخرجين حديثا. باختصار تحول إلى حزب باشوي في عهد الدولة الملكية. وصار الأداة الطبقية لتمدد البلاط إلى السياسة الوطنية. في البلدان التي فشل فيها الأمر تم قطع رأس الملك بالمقصلة أو نفيه إلى إيطاليا أو إرساله للمعاش بإجباره على التنازل.
كل هذا التخثر الذي حدث للاستقلال حدث في عهد علال الفاسي، الأب المؤسس. فكيف بما بعده؟ كان التدهور اللاحق فكان مخيفا. تحول الحزب إلى تجمع طبقي للفاسة، الطبقة المخملية في فاس العتيقة التي امتدت وصنعت تحالفات طبقية من خلال المصاهرة والاستثمارات المالية. تماما كما لعب المشيب برأس عباس الفاسي فإنه لعب بالحزب. وكان صعود حميد شباط يترجم كيف امتدت هذه العلاقات إلى الجانب النقابي من خلال قهر أرباب العمل للعمال، وهو سيناريو إفريقي وعربي عريق. استخدم المخزن شباط لأكل النقابات اليسارية والإسلامية وشرب الحميراء في جماجمها، كما كان يفعل البارونات والكونتات في سهول الدانوب.
ولكن...هذا التمدد النفعي ليس ريعيا. أي أنه يحمل قوته الذاتية، وليس فقط كلبا يتبع السلطة، كما هو شأن الأحزاب الرسمية في بقية العالم العربي. إنه ليس مجرد فلول. وقد حافظ على وحدته العضوية (طبعا بحماية من المخزن) في فترة الحكم الاشتراكي. واليوم، ينسحب من حكومة ائتلافية. هذه ظاهرة تستحق المتابعة: حزب سلطوي عربي ينسحب من السلطة فيما بعد سقوط القيم الكبيرة، وبمقرر حزبي!! هذا أول انسحاب للنفعية من مراكز الانتفاع وبقرار حزبي، وليس بمرسوم شريف.
ومن المضحك أنه في نفس الوقت الذي يتملص فيه الحزب الأرستقراطي من الرصيد السيئ لحكومة المخزن الملتبسة في حزب إسلاموي لم تتضح له الرؤية بعد (رغم أنه أقل ديماغوجية وأكثر نضجا من أي حزب إسلامي عربي آخر)، فإن اليسار الملكي، يسار الملاهي (التقدم والاشتراكية)، الذي كان ثوريا في أيام مراهقته، بقي. إنه يعزي نفسه بأنه ليس مؤدلجا. وقد تصالح مع الإسلامية التي كانت تكفره منذ سنوات قصيرة. وهذه القصة، قصة عدم التأدلج، صارت عذراً لكل من من تخلى عن قيمه المؤسسة. سيبقى يسار التهريج مع الحكومة الأكثر لبرلة وخصخصة وانسحابية في تاريخ المغرب. لقد طلب من الملك تحكيما في شأن انسحاب "الاستقلال". وقد صار بهذا ملكيا أكثر من الملك.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق