الأحد، 20 أغسطس 2017

محمد افو‏ سعار البؤساء : نعم نحن الدخن

‏‏
تعلمون قصة الديك الذي يعلم أن الحبة لاتأكل الديكة ، لكنه ينتظر أن تفهم الحبة أن الديكة ليست طعاما لها .
في الواقع النفسي الإكلينيكي يعرف أن قناعة الشخص عن نفسه أو عن محيطه قد تستحيل إلى قناعة مرضية واهمة .
وآخر ما ينتظر من المعتل نفسيا هو أن يكون منجدا لمن حوله .

وفي علم النفس هناك تشابه بين نفسية الفرد ونفسية المجتمع .
فالمجتمعات تمرض نفسيا وتحتاج لظروف ومناخات علاجية تساعدها على استرداد سوائها .
قد لا يروق لكم سماع رجل يهذي بتوبيخ أمه المريضة ، أو نعتها بالعاجزة أو التأفف من تكاليف علاجها ومن عجزها عن ممارسة أمومتها .
لكنكم ستعجزون عن بناء مفهوم عام يتعلق بعجز أي مكلف عن القيام بتكاليفه نتيجة العجز والمرض .
وتحوله من مكلف وصي إلى مكلف وموصى به دون أن يفقد مكانته ولا قيمته نتيجة العجز .
ما أريده هو إسقاط ذلك المفهوم على المجتمع والدولة كمنظومة قيمية وليس كذات مادية .
الوطن كالأم لا يجوز احتقاره نتيجة العجز عن احتضان أبنائه أو فقره دون حاجاتهم أو ضعفه دون إسنادهم .
وهذا ما يحتاج إلى تفكيك بسيط .
ماهو الوطن حين نطرح منه أنفسنا كمواطنين ؟
إنه بقعة أرض هامدة غير معتبرة أخلاقيا باستنهاض نفسها ولا استنبات حضارة أو قيم .
نحن حين نتحدث عن الوطن البائس نكون قد وصلنا أوج انحطاطنا ودرك احتقارنا لأنفسنا .
وحين نفعل ذلك فإننا نعتمد آليات وطرائق مختلفة ، تحيل كلا منا إلى غرز أنيابه في لحم أمه أو أخيه .
من ذلك التنابز الأفقي والعمودي في استنقاصٍ أو تقزيمٍ يطال كلا منا من الآخر ، الكوري ، البيظاني ، الحرطاني ، لمعلم ، ازناكي ، ايكيو .
تصنيفات عرقية تتقاطعها سكاكين تصنيفات طبقية وأخرى جهوية .
فتفتت المفهوم العرقي إلى جهاته ومهنه وطباعه ، فيتحول العرق إلى فسيفساء تختلق صراعات بينية غير الصراعات العرقية العامة ، فيتوزع بين العربي والزاري والراعي والامير وأهل الشمس وأهل الظل وأهل القبلة وأهل الساحل وأهل الشرق .
فتتحول التوظيفات السياسية في مجتمع الندرة الاقتصادية والفساد السياسي إلى وقائع فعلية تدار لتعزيز النفوذ والحشد السياسي ، فيختلط المطلب الوطني أو الحقوفي مع مطامع الطامحين ويعتلج الكل في وحل وحمأة النفوذ ويستعصي على الحكيم تمييز الحق من براثن الباطل .
حسنا ..
لمعلمين
ازواية
لعرب
لحراطين
لكور ( بكل تصنيفاتهم )
الحمة
آزناكة
أهل القبلة
أهل الشرق
أهل الساحل
أهل الضفة
......الخ
كل هذه التصنيفات والمصنفات لدى كل منها ما يذكيه من عيوب الآخر .
ولكل منها صوته الذي يعلو ويخبو بين حين وآخر .
و مجتمع السلطة يرقب في استمتاع خطوط الطول والعرض تلك ، ويضعها في مواسم السبق والرهانات على خطوط البداية مراهنا على من تلفظ أنفاسها عند خط النهاية قبل الأخرى.
كل ما تقدم ليس هو موضوع حديثي ولا موجبه .
وإنما نجاحنا الباهر في تحقيق كل هذا الفشل الذي أوصلنا إلى مرحلة نحقد فيها على أنفسنا وتتقاسم عرضنا أقلامنا وحناجرنا .
فقيه يستغبي القيم والأحكام والأعراف الدينية والمذهبية
ومثقف يسخر من الهوية والفلكلور وحتى الوجبات المحلية .
ومفكر يسطح الهوية ويسفه التراث و يبحث عن أفلاطونات لا يجدها فلا بعتبر الوجود إلا يونانيا أو هو عدم .
وسياسي عاقر البديهة يعرف الزمن على أنه مامر به وزيرا والتاريخ ما صنع من ثروة .
وفي خضم هذه الفوضى نتقاسم العقوق للوطن ونتبادل أمثلة تقزيمية من نوع " هي ألا موريتان " ( بمعنى لا أمل ) .
سمعناكم جميعا أيها السادة وأنتم تنعتوننا بالدخن المتخلفين الجهلة .
سمعناكم تنهشون كرامتنا وأعراضنا وتستخفون بشريتنا وتسوموننا سوء البذاءة والدناءة .
" أكصرولنا وذنيكم " قليلا فلدينا مانقوله لتسمعوه .
نحن من منحكم قلم " بيك " في حين كنا نحتاج خبزا لبطون جوعانا .
وأهلكنا شباب معلمينا الصامدين على حافات الموت ليعلموكم الأبجدية .
نحن من منحناكم على فقرنا مخصصات دفعناها من عرق الحمال و " مول شاريت " و " اتيفاي " وباعة الرصيد والصيادين .
وتسولنا العالم مقاعدكم في الجامعات .ّ
فعلنا ذلك ونحن نعتصر الأمل في انتظار عودتكم بوارق أمل وسند فقير ، و سواعد بناء .
فجادت قرائحكم بأن استلطفتم حدائق العالم وشوراعه ومناخاته، وبناه التحتية وناطحات سحابه وجسوره وفنادقه .
فانهلتم علينا سبابا واستصغارا وسخرية .
نعم نحن دخن ..
لكننا لن نبني وطننا ولن نعالج فقرنا وجهلنا ببياض ولا بزرقة عيون من خطفتكم هيئاتهم وافتتنتم بشقار شعرهم و نهودهم الفاتنة .
لقد هزلت حتى بان صغاركم .
نعم نحن دخن ، لكننا لن نستنجد بجينات تفاخرتم ببر توددها وما شفعت لهيئاتكم غيرها .
ليس لدينا من الوقت ما يكفي لنحتفر أنفسنا ونتبادل ما تسوقه روح الإنحطاط وهزال التبعية .
مالدينا من الوقت هو مايكفي لتشخص أبصارنا وقلوبنا على ثرائنا وتكاملنا ، لنصوب قدراتنا وطاقاتنا نحو مجد نصنعه وبناء نبنيه ، مستحضرين قدرتنا ومكانتنا وتميزنا وثقتنا بالله وأنفسنا .
وطننا فخرنا ومانصنعه هو مانمتلك .
وليخسأ الساخرون.
محمد افو 

ليست هناك تعليقات :