الثلاثاء، 19 مايو 2015

الشيخ ولد بلعمش لا تهدموا الذكريات !


لا تهدموا الذكريات !
أسر إلي صديق عزيز بأن مباني الجهة الجنوبية من ثانوية اطار على موعد مع بناء جديد سيبدأ بنسف تلك القلعة المبنية بالحجارة منذ الستينيات و هكذا سيكون على أمثالي أن يمروا على ركام الحجارة هناك و أن
يسائلوا السوح عن الرفاق القدامى و عن ذكريات السنين الخوالي .
طيلة العقود الثلاثة الماضية كنت أمر على الثانوية كلما زرت المدينة و كنت ألمح فيها جزءا من ذاتي الضائعة و أشرع في تجميع ما تكسر من بلور ذاكرتي و أبحر في تساؤلات الإنسان عن ماضيه و طفولته و أحلامه الموءودة في رمال العمر .
طنين هذا الخبر في أذني مختلف جدا عن نغمات الجرس الذي ألفته خلال سنين الجوار فعلى بعد أمتار منها سكنت طويلا و كنت أراها كل يوم ..
كانت لي قصص مع حراس الباب الكبير و رموزهم الشهيرة و أدركت الحرس القديم حيث صرامة الموريتاني الأول في تنفيذ التعليمات إذ وقت الدخول لا مساومة فيه ولا محاباة أما المتأخرون عن الموعد فمالهم من شفيع إلا أولياءهم و كنت أرى دموع الفتيات يبكين إن فوجئن بعلامة لا ترضي غرورهن في الرياضيات ثم تبدلت الأيام و أفسدتهن ''كساندرا'' أما ''مراد علم دار'' فقد أضل جبلا كثيرا من الجيل .
كنا على بساطة وجبات الإفطار التي لم تكن في الحقيقة أكثر من '' قطيعة '' خبز مع كأس من الشاي يعد سباقا مع الإصباح نهرع كل يوم مسرعين إلى أقسامنا و كان للدرس معناه و للمدرس دوره .
في تلك الثانوية أنشدت ما سميته حينها قصائد و فيها سمعت لأول مرة لقب الشاعر و فيها كان ما كان من وله بالتفاضل و الاشتقاق و التكامل .
ليت الذي علمنا هناك دراسة تغيرات أول دالة يأتي اليوم ليعلمنا كيف ندرس دالة الأيام!
إن يكتب الله لي يوما موقعا أتحكم من خلاله في الإنشاء أو الهدم و الترميم فسأكون وديا مع المكان .. ألا يدرك هؤلاء أن من الجواهر ما يزداد لمعانا و قيمة مع الأيام ..
و الحقيقة أن مدينة أطار على موعد دائم للأسف مع هدم الذكريات فمعالم كثيرة تم نسفها و إبدالها بأبنية أخرى حديثة كما يقولون ..
كانت المساجد من طين و حجارة لكنها كانت منبع التقوى و القيم الفاضلة أما اليوم فقد عانقت مناراتها عنان السماء و ربك الستار ..
كانت المدارس بسيطة المظهر و التصميم و من قبلها المحاظر لكن النشأ كان ذكيا و موهوبا منهمكا في التحصيل أما اليوم فزر الجامعات و الثانويات و احكم بما تشاء .
إن مشاعر حزن كبيرة على هذا المبنى المهدد بالهدم تجتاحني و لا تقولوا إنه حنين جاهلي بل هو وفاء لمعاهد الصبا و الخلان مبني على منطق سليم فصدقوني لا حاجة ماسة إلى تجديد هذه الثانوية حسب علمي أو على الأقل أعرف أقساما بعينها لي معها ذكريات ليست بحاجة إلى تجديد ردحا طويلا من الزمن ..
هذه كلمات مرسومة على عجل و ماهي عشر ما ينبغي قوله فللقلب ما يبثه و للعين ما تذرفه و للمنطق ما ينهض له ..
إن تدوينتي هذه ليست وقوفا ضد ما هو ضروري من حاجة لتأهيل المباني لكنها دعوة إلى شيئ من الإنسانية مع المكان و التأكد من ضرورة أي ترميم أو هدم قبل الشروع فيه .
ربما يستطيع كثيرون غيري أن يكتبوا عن الأمر بشيئ من التفصيل و التذكر الأجمل لكن هذه نقرة أولى على الدف .

ليست هناك تعليقات :