الأربعاء، 13 مايو 2015

محمد سالم ابن جد ذكريات مبعثرة (64)


ذكريات مبعثرة (64)
كان عاما 1976 - 1977عامين مفصليين في حياتي؛ ففي الأول تعلمت التمييز (بين الفعل والاسم والحرف) وفيه تعلمت حلب الغنم، والفرق بين أثر الخنفساء والعقرب،
وتحديد اتجاه الأخيرة.. وفي الثاني تعلمت اللهجة الولفية، وفيه تعلمت اقتفاء آثار الإبل وعلامات أخفافها التي تتيح التمييز بينها، وفيه تعلمت تحديد اتجاه الحيات وطرقها في التخفي، والتفريق بين أنواعها، وبين السام منها وغيره، وطرق استخراجها من جحورها والقضاء عليها.
حذقت ألقاب الحروف وأعمالها والفرق بين الضمير والظاهر، وأنواع الأفعال.. وغير ذلك ومكثت أكثر من عام لا أبرح مكاني المعرفي إلى الإعراب! لأن المسؤولين عني أرادوا لي ذلك فيما أظن!
ماطلت الوالدةُ – رحمها الله- طويلا في أن أحلب حتى كنت آخر من في حينا من لداتي اكتسابا لتلك المهارة الحيوية؛ فقد كانت ترى أن حلب الصغير ضار بعرضه، لأن من الناس من لا ينزهه عن شيء ومن السهل أن يظن أنه حلب دابته حينما يشح ضرعها لسبب أو آخر. ويجد هذا الظن محله في فصل الخريف خصوصا؛ ففيه تخلو فيه الحظائر من الغنم ويموج بعضها في بعض.
في البداية كنت أجد صعوبة في السيطرة على الشاة لحلبها، فعند ما أضع رجلها في مأبضي (باطن ركبتي) كما يفعل الحالب تبقى في الأرض لصغري!
استمرت هذه المهارة واتسعت وتحسنت مع الأيام، وأذكر أني أمضيت ليلتين أو ثلاثا من صدر عام 1988 في حي بدوي لم يكن به من الرجال غيري في تلك الليالي، وكان فيه أنواع المواشي فحلبتها بسهولة، وإن لم أك مرتاحا لشياه معدودة من الضأن لغزارة بولها وسهولة إدراره دون قصد وصعوبة إزالة آثاره عن الثوب.
كان يعجبني إمساك القدح لحالبي الإبل ودرء الفصلان النهمة، وأعجب من تشابه ألفاظ الحالبين ووحدة أسلوبهم، خصوصا صمتهم أثناء الحلب والقرع الخفيف على حافة الإناء إشعارا بنهاية المهمة وأمرا بالانسحاب الآمن.
قد يكون للناقة حالبان وهو ما يسمى "التشگاگ" وهنا يتطلب إمساك الإناء مهارة زائدة لاجتماع المعني به مع أحد الحالبين في حيز واحد. وعندما يشتد ساعد ممسك الإناء يكون بإمكانه الاكتفاء بيسراه للمهمة ليفرغ يمناه لحلب الخِلف، وكان يعبر عن الحالب غير الماهر بأنه "يحلب موخر".
يناسب "التشگاگ" الناقة النفور أو ذات الدر الغزير، ولا يكون إلا عند توفر أكثر من حالب كفء.
وحده الإمرار (النوش) لم أحاوله، ولم أمل إليه، خصوصا بعد ما أمَرَّ أحد الرعاة جذعة في عطن بئر فاستن القرم خلفه ثقة بأنه أردها للضراب (الظرابه) وعند ما كاد يلقي كلكله عليه وعلى الجذعة سقط لثام الراعي عن رأسه فاكتفى القرم به وظل يعركه في الرغام حتى شفى غليله. بينما أنقذ الله الراعي الذي لم يشعر بشيء بما قيل إنه التصرف المناسب للخروج من مأزقه وإن لم يقصده!

المزيد في صفحة الكاتب على الرابط:
https://www.facebook.com/profile.php?id=100008066977658&fref=nf

ليست هناك تعليقات :