الخميس، 26 مارس 2015

أحمد سالم زياد ‏ مثقفون أم ظواهر صوتية؟


مثقفون أم ظواهر صوتية؟
إن لم نكن، معاشر العرب، ظاهرة صوتية بالجملة، فإن الظواهر الصوتية منتشرة خلالنا، وتشغل الفضاء من حولنا، بحيث لا تترك فرصة لسماع غيرها. فتتقارب النتيجة إن لم تتساوى!.

ظواهر صوتية، اتخذت الثقافة اسما وشعارا، بل، وسلما تصل به إلى أهدافها، ومنديلا مخمليا تتمندل به، بعد أن تمتلئ البطون من الوجبات الدسمة.
قد يخيل إلى العامة أن الغاية اكتسبت من عظمة الوسيلة نبلا ومكانة. في حين، أن المتجرئ على حريم الثقافة، استحق أعظم عقاب، من أجل خيانته لأمانة الثقافة، ولأجل تدنيس جانبها المكين، فيما يطلق عليه البيظان (عْمارتْ عَرْ).
لم تكن الثقافة يوما هدفا يستحقّ منا التضحية من أجل الحصول عليه، والعيش في ظلاله الوارفة. كلا!، إن الثقافة قي عالمنا الثالث أصبحت وسيلة لرغيد العيش، كريما كان أولئيما، تهيئ للمرء أعظم المناصب، ويضحي بها من أجل أتفهها. حتى إذا ضاقت عليه المسالك، فاء إلى ثقافته، دون غسل أو وضوء، وانطلق لسانه بدرر من الحكم وباهر من الحجج. ولا غرابة، إنها ثقافة الحمار يحمل أسفارا، ليطعم برا أو شعيرا..
لقد ورثنا الدولة الحديثة من المستعمر، كما ورثنا العسكر ،بعد ذلك بقليل، من المستعمر، فكان لزاما على البندقية أن تبحث عن أقنعة حضارية، تلطف من شكلها المزعج، حتى تتماشى مع الحضارة السائدة ظاهرا. فكان تحالف بائس بين العسكر والمثقفين، ظلت دويلات العالم الثالث مكبلة به، إلى أن ابتليت بالنظم الديمقراطية، فتوسع الحلف ليدخل فيه الناخبون الكبار: مشائخ القبائل والطرق، ورجال الأعمال..
ومع أن الثقافة سلاح فعال، أكثر من السيف والمدفع والصاروخ، بشرط، أن تجد حاملين أكفاء، فقد كان المثقف، لفقده الشرط الآنف الذكر، هو أضعف الحلفاء، مع أنه المنظر والواجهة الحضارية دائما، لذلك الحلف المتخلف.
ورغم نهم وشطارة المفثقفين أولئك، فقد ظل الفتات المتناثر على موائد الأكلة الشرهين نصيبهم اللازب، لا يزيد إلا بتزايد ولائم أسياده.
خلال العقود الماضية من حكم العسكر، أفرزت ميكانزمات الأنظمة الدكتاتوترية المتلاحقة (مثقفين) أو على الأصح، ممتهنين للثقافة (دكاترة، أساتذة، أدباء، وشعراء...)، انفردوا بالمشهد، وأسهموا في غسل أدمغة المشاهدين. ورغم تعاقب الأنظمة إلا أن أغلب تلك الوجوه ظلت مسيطرة على المشهد، في صورة جديدة للتحنيط لم تتح للفراعنة، فأصبحنا ننام ونستيقظ على نفس المومياءات الإعلامية، لا تبُدَّل ولا تتبدل..
ولأنها لا تتبدل، كانت تظنُّ، ولا زالت على ما يبدو، أن شيئا لم يتغير، وأن شيئا لن يتغير. حتى طريقة صنع أو وجود المثقف.فكانوا أوفياء مطيعين للحكام، حتى لا يلجأوا لتبديلهم، وصنع واصطناع غيرهم.
غير أن وتيرة الأحداث المتسارعة في عالم تكنلوجيا التواصل الاجتماعي، كانت أسرع من أن يواكبها مثقفون لا يتغيرون، يسكنون أبراجا عاجية، وتسكنهم عقلية متعالية، لا تنحني إلا لالتقاط الفتات.
استيقظ أحدهم متأخرا، ليجد نفسه عرضة لسهام مدونين صغار، حسب تقييمه للأشياء، تناوشه. فليس لأحدهم جريدة أو مجلة أو منصب في وسيلة إعلامية خاصة أو حكومية. قرر الفارس الكهل أن ينزل من برجه العاجي، ليميل ميلة واحدة، على المدونين المتطاولين على مقامه السامي، وأن يريح منهم البلاد وصاحب البلاد، ثم يعود حيث كان.
لا شيء يفقد الإنسان لياقته البدنية مثل الانفعال والأبراج العاجية. والأيام دول. وإذا جاء أجل المرء، ربما قتلته نملة!.
يبدو أن حركة الفارس الكهل لم تكن نزولا من برجه العاجي، عن سبق إصرار وتخطيط ، بقدر ما كانت ارتجالا منفعلا، ظهر كسقوط حر، وانتهى كانحصار بين كماشة غير متناهية الفكوك، فتعاورته الرماح العطاش من كل مكان، وتفرق دمه بين القبائل، حين أراد هو أن يتترس منهم بالقبيلة.
انشغل الفارس الكهل بلاعجاب بأسلحته العتيقة، عن النظر إلى أسلحة مهاجميه. وحمل على أعدائه الصغار، فوقع في نفس الفخ الذي وقع فيه فرسان المماليك الأشداء، وقد اصطفوا أمام قوات نابليون المدججة بأسلحة متطورة، هزمت ببساطة شجاعة المماليك وقدراتهم الفائقة في استعمال أسلحة هي اليوم، وبمنطق العصر، أسلحة بيضاء. والله على كل شيء قدير!.
معركتنا الكبيرة سال فيها الكثير من الحبر، تكسرت فيها أقلام كثيرة، وسقط فيها نظام المثقفين العتيد سقوطا لن يقف بعده على قدميه سليما معافى.
لن أهتم كثيرا بالتفاصيل، ولا بأدبيات الخلاف الغائبة من المعركة. لأنه لا أحد يهتم، للأسف، في زمن الرديئين هذا بتلك الأشياء الجميلة، والتي بتُّ أشك أنها قد تنبت إلا في أصص طوبائية في مخيلاتنا، أو في بطون الكتب. فالمعارك الأكثر شعبية اليوم والأمس، والتي يتزاحم المراهقون على مشاهدتها في المسلسلات والأفلام، دائما تكون دامية وعنيفة.
أعتقد أنها بداية لفصل جديد، سيخرج المثقف القديم فيه من الحلف الحاكم ذاك، فقد انتهى تاريخ صلاحيته، وسيحل محله آخر، مواكب للعصر وأقل تكلفة، وأكثر نجاعة.فلا غرابة، فقد قد تخلى العسكري قبله عن حصانه، وربما انتهى المطاف به جيث انتهى بالحصان الأثير، وانحصر دوره في الاحتفالات الفلوكلورية، والمسابقات الترفيهية، ربما!.
أتوقع أن يُقال الوزير المسكين من منصبه، وليس من عثرته. فليس في الموكب المتصدر مكان للمتعثرين. فلا أحد سيغامر من أجل إنقاذ ساقط، إن لم يدسه الموكب، فسيتجاوزه إلى غير رجعة.
في الختام، أهنئكم، شباب ، فقد كانت ضربة موفقة، وإن لها ما بعدها..!.

ليست هناك تعليقات :