الخميس، 5 فبراير 2015

لحبيب الشيخ محمد نواكشوط على بعد أربعين


نواكشوط على بعد أربعين

لم تعودي أنت التي عرفتك بدوية ساذجة فاتنة الملامح، طيبة، و تحتفي بمستحضرات تجميلها القروية الطبيعية، لم تعودي أنت نواكشوط التي خبرتها منذ أن فتحت عيناي عليها منذ أربعين حولا !.
بت قلقة
مقلقة مخيفة و تعجين بالتطورات الغريبة المفاجئة كل يوم بل كل لحظة!..، يقال إن تلك العلامات هي بوادر حداثة المدن، لكني لا أبصرك إلا كما رأيتك منذ أن بدأت أفهم تحليل قدر من الأشياء، ومنذ أن بت تحاكين وجوه أغلب نسوتك حيث تختلط كل الأصباغ المزورة الصناعة في هذا العالم وتلطخ صفاء الوجه، وتحيله إلى مزرعة عفنة لأنواع السرطان..، وها أنت تقطعين يديك معهن ، دون أن تصبرن حتى ترون يوسفا أو حتى من يشبهه!…، لقد عجلت و استكنت يا مدينتي إلى فرعونك، و أبحرت نحو شمالك، ولفظتني و آلاف البسطاء من محدودي الدخل و المال إلى ضواح عمها الإهمال، واستوطنتها الجريمة المنظمة، وتوالدت فيها القاعدة وربما “داعش” و كل ردود الأفعال المتطرفة…..
لفظتني ولفظت فيمن لفظتهم عن مركزك و ثقلك الشمالي الغني، المهندس محمدو ولد صلاحي، ..،هل تذكرين ولد صلاحي؟!…، ذلك الذي عبر العقيد ولد الطايع و العقيد اعل ولد محمد فال و المفوض دداهي على جسمه و على حريته، ليقبضوا ثمن تسليمه لأم الشر أمريكا، ولسجانيها الساديين في غوانتاناموا،…،لقد باعوه بثمن بخس وكانوا فيه من الزاهدين، لقد باعوه وكانوا في استمرار سلطتهم و نفوذ كل واحد منهم من الراغبين المهووسين.
لم يروا دموع أمه رحمه الله حين قالت لي ذات يوم من ربيع 2005 أيام ازدهاء الأمل ” الحذر”في نفسها و نفوس ساكنتك ، عندما أطيح بحكم الرئيس العقيد ولد الطايع،…، كان أملا حذرا ربما لأن خلفه هو شريك في مأساتها، تفوهت المرأة المسنة التي هدها غياب فلذة كبدها على ضفاف خليج الخنازيز بعبارات قليلة : إبني “انسالو” أمام الله لمعاوية ولد الطايع، واعل ولد محمد فال، ودداهي ولد عبد الله، أخذوه ظلما وعدوانا، أخذوه بغير حساب!….، بغت من كثافة المعنى المهول في الكلمات القليلة،..حاولت التجلد كما يليق بأي صحفي يجري مقابلة يريدها مهنية،….لكن ذهني شرد وضاع بين نواكشوط البريئة التي كانت في صباي، وتلك التي باتت تسلم أبناءها ببرود قاتل إلى أقسى آلة تعذيب واتهام عرفتهما البشرية حتى الآن،….خرجت بتكلف كبير أحتضن دمعة تأبى أن تنزل عند آل صلاحي، لأنهم و منذ مصابهم يأبون أن يظهرو أضعف، يأبون أن يتركو للحزن سبيلا كي يكبلهم، و لعلهم يأبون أن يظهرو  لظالميهم الذين يسعون أحياء أو “حيات” أن الدمع هو الإنسان!.
هذا الصباح و بمجرد قراءتي لمقاطع من مذكرات السجين المظلوم المهندس محمدو ولد صلاحي، عرفت أنه بات أكبر إدانة حية لأمريكا و لديمقراطيتها و رأيها “الحر”…، و أنه لن يلبث في السجن بضع سنين أخرى…، ومن يدري قد يكون المهندس طيب الذكر وسط جيرانه و حيه المستلقي بعشوائية على أطراف نواكشوط، “عزيزا” بعد حين، وليس ذلك على الله بعزيز.
آخر مشهد معبر بشكل رمزي كبير عن ما بات يحدثه التمايز فيك يا نواكشوط، هو ذلك الذي تابعته بعد خروجي إلى شارع “الأمل”، حين فر حمار بحمولته من الفحم المجزء، و طفق يجري على الشارع وبين السيارات، ثم ما لبث صاحبه “الحرطاني” أن جرى خلفه محاولا اللحاق به،..كانت سيارة الأجرة التي أستقلها تتقدمهما مسرعة، وتوغل في البعد عنهما، وكنت أحاول الالتفات إلى الخلف و إمعان النظر لعلي أرى هل يدرك البائع البسيط مورد رزقه على الحمار، وهل سيمكنه أن يحتفظ بفرصة لبيع فحمه؟؟!!.
تحمل تدوينة الكاتب لحبيب على الفيس رابطا بالدخول إليه تحصل على المقال المنشور وللأمانة رابط المقال هو: