الأربعاء، 28 يناير 2015

محمد لغظف ولد أحمد العشاق في الابتدائية:


العشاق في الابتدائية:
في السنة السادسة من الابتدائية، كنت ذا وقار لا يشبهه إلا وقار صرة من تجمخت وجدها شخص مصاب بالتخمة بعد بحث طويل. كنت ذلك الغلام النحيف الذي يجلس في الطاولة الأمامية، يلبس قميصا عليه طبقات من الأوساخ مترسبة من العصر الكربوني كترسب أحجار الكلس على
شاطئ الأطلسي، وبنطلونا "حالفا"، كلما أنزلته لكعبي رفض ذلك ثم ارتفع لنصف ساقي بإصرار كإصرار القلق على ملازمة بان كيمون. فكأن ذلك البنطلون كان مبرمجا بشكل أوتوماتيكي على السُّنّة النبوية.
وكان لدي ذلك العام صديق ذو وفاء وطيبة، لا أكاد أتركه خلفي إلا وجدته أمامي كـ"ـالحكْمات" على طريق انواذيبو، وكنت أعطيه من وقت لآخر 50 أوقية، وهو مبلغ كبير جدا وقتها، لأن الطالب منا كان يغدو إذ ذاك بعشرين أوقية يشتري بها امبورو صوص، وكنت أعطي لصديقي هذا المبلغ كأجر لعمل إنساني بسيط يقوم به من أجلي، وهو أنني وإياه كنا ننتظر بنتا من السنة الرابعة فنقف في طريق عودتها وعندما تقترب منا، أقوم بصفعه على وجهه صفعة عظيمة كي تعجب بقوتي، فكانت كثافة الدموع في عينيْ صديقي بعد الصفعة تزيد وتنقص بحسب قوة الضربة وحداثة العهد بالخمسين أوقية. ولكن البنت رحلت بعد ذلك إلى مدرسة أخرى فراحت الصفعات هباء كجهود المجموعة الحضرية في إبادة مجتمع المعيز. وأذكر أني كنت أقوم برياضات أولمبية كثيرة من أجل تلك البنت، ليس أكبرها خطورة التهام بلبصتيكاية بأكملها، الشيء الذي كان يشعرني أن رقبتي صارت قطبا استوائيا ثالثا بعد القطبين الجنوبي والشمالي. فقد كنت أعتقد أن عينيْ تلك البنت تستحقان كل شيء يمكن أن يقام به في المنتبذ القصي، بدْءًا بتسلق الجدران وصولا إلى تقديم برنامج تلفزيوني. لقد كانت عيناها تقولان كلما باشرتهما:"سلْميَّتُنا أقوى من سوط المعلم". كانتا تقولان الجملة بطريقة تستحق أن تُكتبَ بماء "الحَب الحر"، ولو أن القانون الجنائي كان منصفا لحكم لي عليها، ولكن ذلك القانون كان وسيظل ميتا غائب النفع ما دام أهالي الجناة يرددون الجملة التي عجز القضاء الموريتاني عن هزيمتها: "نحنَ أولادنَ ما ايْعدلُ شِ خاسر". عشتم طويلا.

ليست هناك تعليقات :