الخميس، 18 ديسمبر 2014

محمد لغظف ولد أحمد شكوى ضد خادم أبي العلاء:


شكوى ضد خادم أبي العلاء:
لم أنتبه إلا وأنا أمام بيت صغير، تحفه حقول الزيتون، ويمر أمامه أناس غريبو الملبس، وعند بابه خادم يطبخ وجبة من العدس، فدخلت وإذا
برجل وقور أعمى، يملي على كاتب في ورقة مختومة بتاريخ "الأربعاء 15 محرم 415هـ". ولم أحتج لكبير ذكاء لأعرف أني ذهبت لعام 415هـ وأني الآن في معرة النعمان أقف أمام الفيلسوف أبي العلاء المعري.
سلمتُ على الرجلين، وقلت لأبي العلاء إني قادم من المستقبل، فاقتنع بذلك تماما كاقتناعي أن كيلو السمك صار يباع بخمسين أوقية.
لم أجامل أبا العلاء، وقلت له إنه سيموت بعد أربع وثلاثين سنة، وسيظلمه كثير من الناس بعد موته، وسينتصر له بعد 900 سنة الأديب المصري طه حسين، في كتابين لن ينساهما الأدب العربي حتى يتوقف الموريتانيون عن أكل الغيبة.
بدا على أبي العلاء أنه صدقني، فسألني عن ما آلت إليه المعرة، فقلت له باختصار إنها تحولت من التبعية لحلب، إلى التبعية لريف إدلب، ومن النزاع بين بني مرداس والفاطميين إلى النزاع بين النظام السوري والكتائب المسلحة، الفرق الوحيد أن جسد أبي العلاء سلِم من نزاع الفاطميين وبني مرداس، في الوقت الذي لم يسلم تمثاله أثناء نزاع الأسد والثوار.
أبو العلاء عالم إنساني لا يتخذ مواقف من الناس بسبب أفكارهم، ولو كان لديه فيسبوك ذلك العام، لنشر تعزية لأسرة أبي سعيد السجزي عالم الرياضيات، وتعزية أخرى للبابا يوحنا بعد وفاة شقيقه بنديكتوس في نفس العام، رغم اختلافه الفكري مع الراحليْن. ولو كانت في أبي العلاء قطرة منْ الدم الموريتاني لكوّن ذلك العام مبادرة شعبية لدعم "المرشح الديمقراطي" صالح بن مرداس، ولأعلن انضمامه لإمارة "كييف" الروسية مستغلا موت فلاديمير الأول ومستفيدا من حرب الشقيقين "اسلاف".
بعد أن نضجت وجبة العدس وأحضرها الخادم بيديه المتسختين، أصبت بالاشمئزاز ورفضت الأكل مع أبي العلاء وقلت له: كافِ، نريد هيئة مستقلة لرقابة الأغذية. ثم استيقظت من حلمي عازما على تقديم شكوى لوزارة الصحة ضد خادم أبي العلاء، فينبغي للوزارة على الأقل أن تحمي الأموات بعد عجزها عن حماية الأحياء. عشتم طويلا.

ليست هناك تعليقات :