السبت، 11 مايو 2013

الشيخ أحمد بمب الخديم



الشيخ أحمد بمب الخديم

كانت السيدة "مريم محمد بُصٌ" إمرأة صالحة وتلميذة للولي الصالح العلامة أحمد للعاقل تزوره وتهدي إليه وذات حمل زارته أن ترزق بطفل ذكر، توفي أحمد للعاقل ودفن ب "امبمب" ورزقت مريم بص طفلا وسمته أحمد فقيل لها من هو أحمد فقال أحمد امبمب أي دفين امبمب، فغلب على الطفل الإسم أحمد بمب
أبوه محمد بن حبيب الله ينحدر من أسرة تكرورية وقيل من موديات الشرفاء انحدرت من فوتا وانقسمت فذهب جزء إلى جلف هو سلف الشيخ ووانحدر الآخرون إلى المنتبذ القصي وهم "آل مودنل"
ولد الشيخ أحمد بمب الملقب "بخديم الرسول" سنة 1854 م فى مدينة امباكي باوول السينغالية
لما بلغ سن التعليم سلمه أبوه لخاله محمد محمد بص ثم سلمه الخال لخاله تفسير امباكي اندمب شقيق جدة الشيخ وكان يمكث عنده في "امباكي" في الصيف وفي الخريف يكون في "جلف" وتوفي تفسير وقد بلغ الشبخ "لتجدن" فأكمل على والده وكانو عند قرية "سالم"
ثم درس العربية على قاضي أمير القرية "مجخت كل" وكان عالما بارعا في العربية والشعر وكان يعرض علية محاولاته الأولى، وفي قرية "انجانج" درس على عالم من أولاد ديمان يسمى محمد بن محمد الكريم الفاضلي ويلقب محمد اليدالي وأخذ عنه علم البيان وعلم المنطق
وكان أبوه عالما وكان يطارحه ونظم ورقات الإمام السنوسي "أم البراهين" وتلقاها والده بالقبول ثم نظم "الأخضري" و "بداية الهداية" للغزالي، وبعد ما تبحر في كل العلوم وتضلع من كل الفنون وأربى على معاصريه، وبعدما رأى والده ما فيه من العلم والمعرفة وبعدما تفرس فيه الولاية والصلاح ولاه جل أوقات التدريس، وفوض إليه تعليم بعض الطلبة.
ولما رأى المستعمر الفرنسي رغبة الخلق فيه وانثيالهم عليه توجسوا منه خيفة فبدأوا يرسلون الجواسيس والعيون ليكونوا على بينة من أمره وقد أبلغهم الجواسيس بأن الشيخ يدعو للجهاد، وأنه يعد لإنشاء أمبراطورية إسلامية على غرار الشيوخ المتقدمين مثل ناصر الدين و مبه جخه والحاج عمر الفوتي وغيرهما، وأنه في جمع العدة والعدد لمهاجمتهم واستئصال جذورهم وتم استدعائه من طرف الفرنسيين
وبعد ما وصلوا إلى مدينة سان لوي "اندر" مركز السلطة ومحل التحكيم، وبعد رفع وخفض وختم وفض استقر قرارهم على تغريبه وأجمعوا على نفيه إلى "الجزر الكونغولية." فلبث الشيخ في المنفى ثماني حجج إلا قليلا من م 1895. إلى 1902 م. اضطروا إلى إرجاعه إلى بلاده ورفعوا الحكم عنه.
إلا أنهم ما لبثو أن حكموا عليه ثانيا بالنفي إلى المنتبذ القصي، فمكث فيه أربع سنوات من م 1903 إلى عام 1907. ففي يوم الاثنين 19 ربيع الاول 1321 الموافق 15 يونيو 1903 تم استدعاؤه من طرف السلطات الفرنسية إلى "اندر" فنفي إلى دكان فتوجه إليها عبر السفينة ومكثث خمس ليال بدكانه ثم أرسل الشيخ سيد باب مستشاره "شيخنا ولد داداه" يطلبه وقال للفرنسيين إن هذا الشيخ لا يخشى من جهته سوء ما، فقالوا أتضمنه لنا فقال أضمنه فسار مع شيخنا حتى وصلوا إلى باب وهو إذ ذاك مقيم مع بني ديمان على تخوم إيكيدي نظرا لظروف الحرب القائمة بين أولاد أبيري و إديجبه وكان مخيم باب لايستقر في مكان واحد بل يجوب منتجعات الكبلة طلبا للكلإ وهو أمر لم يعتده الشيخ أحمدو بمب فشق عليه فأستأذنهم للرجوع فأبوا عليه حرصا على مصاحبته و للعلة الأولى وهي وصاة الحكومة، إلا أن الشيخ صمم وهم يعلمون صدقه فأذنو له فباسطهم بالبيت القديم مع تحوير قليل:
ولو نعطى الخيار لما افترقنا ولكن لاخيار مع = "الحشيش"
مشيرا لتنسمهم مواطن الكلإ، وقد لقي الحفاوة من بني ديمان ومنهم أبناء بيدح عبدالله وإخوته عند بئر "الصرصارة" وفيهم يقول:
حمدي وشكري لمن كلي به صارا = له رضى دون سخط عند صرصارا
له ثنائي ورضواني بلا سخط = مذ قاد لي من بني ديمان أنصارا
لله كلي لدى آبار مكرمة = منها ارتحلنا وفيها جم من زارا
إن الذين إلى صرصار قد قصدوا = زيارتي فارقوا دارين أوزارا

وكانت فترته فى المنتبذ القصي ثرية حيث تواصل مع العلماء والأعيان فأتاه الناس من حدب ومدحه الشعراء وتواصل مع علماء بني ديمان وأسرة آل الشيخ سيديا وعلماء الزوايا.
ومدحه الشيخ باب بن الشيخ سيديا بقصائد وقطع، منها قوله.
الشيخ أحمد نعمة أولاها = هذى الخلائق كلها مولاها.
وقوله:
إنما الشيخ نعمة أنعم الله بها آية من الآيات
وزار باب بن حمد الحاجي وظل وبات معه في قبة واحدة وقال باب إنه مكن الشيخ الزائر من السر، وربما يكون سر الطريقة الشاذلية لأن باب بن حمد كان شاذليا
ومما يروى أن زيارة الشيخ أحمدو بمب لباب بن حمدي كانت في يوم قائظ فمذق له باب لبنا جيدا بماء بارد وسكر وكان هذا في زمن تضييق الشيخ على نفسه، فقال له اشرب، قال ماكنت أشرب مثل هذا، قال فلم؟ أيضرك من جهة الطب، أم تركته لله مجاهدا لنفسك؟، فقال نعم تركته لله، قال اشرب إذا، ولم يزل به حتى شرب. بعد ذلك سئل باب لم أكرهت الشيخ على الشرب وماكان يفعل؟، قال لأنه لايريد إلا مخالفة نفسه وإيلامها في الله حتى صارت تلك عادته، فلم أر شيئا أشد عليه من خرق عادته هذه لله، فعاملته بها، ولكن يبارك له فيها، فإنه يصيربعد أقوى مما كان.
وبعد ذلك بكثير جاء أحمد بن باب بن حمد إلى الشيخ أحمدو بمب في "انجاريم" ففرح به الشيخ غاية وطفق يبالغ في إكرامه إطعاما وإسقاء فلما وصل من الأشربة إلى "أتاي" علم رفيق أحمد ويدعى "كادي" أن سيكون أمر، لأن أحمد لايشرب الشاي ولا يقدر على مخالفة الشيخ لهيبته ولحق الضيافة، فلما هم الشيخ بمد الكأس لأحمد قال كادي إن أحمد لا يشرب أتاي فقال الشيخ: يا أحمد مابالك؟ أيضرك من جهة الطب، أم تركته لله مجاهدا لنفسك؟، فقال أحمد نعم تركته لله، قال اشرب إذا، فلما شرب أحمد ضحك الشيخ وقال هذه بتلك، فإن والدك فعل بي ما فعلت بك، بارك الله لك فيها.
وأثناء وجوده في المنتبذ القصي وجه كبلاني سؤاله عن حكم جهاد المسلمين للنصارى في هذا الزمان هل هو جائز أم لا؟ لأن النصارى لا يتعرضون لهم في دينهم مع قوتهم وضعف المسلمين وأجابه باب ولد الشيخ سيدي بما أجابه وسلم الجواب الشيخ سعد أبيه وعرضاه على الشيخ أحمدو بمب يريدان تسليمه فكتب ما نصه:
"ما كتبه الشيخان متوجه إلي الأولياء والعلماء الذين يكابدون غيرهم وأما كاتب هذه الحروف جعله الله تعالي باب السعادة والبشارة والمعروف فلم يتوجه إليه شيء من هذا لأنه فرغ من فتن الدنيا والآخرة عام كسش 1320 فلولا فراغه من فتن الدنيا والآخرة لأتى بجواب ثالث ولكنه صار ممن قيل فيهم "بل أحياء عند ربهم يرزقون".
كتبه قائله أحمد بن محمد بن حبيب الله عصمه الله تعالي وكان له وتولاه "
في ليلة المولد 12 ربيع الاول 1325الموافق 25 ابريل 1907 قرر الفرنسيون إرجاعه الى وطنه ونقلوه إلى قرية منعزلة اسمها "جييين" ومنعوه من مقابلة أكثر من ستة أشخاص يوميا. ولم ينتهوا منه بل أقاموه أخيرا إقامة جبرية في مدينة "جربل" إلى أن أسلم الروح لباريها سنة 1927
يقول العلامة المختار بن المحبوبي رحمه الله مؤرخا لوفاته:
وعام "وم" صار نحو القبر = ذو المكرمات والتقى والصبر
والعلم والحلم والإتباع = والإطلاع مع طول الباع
عنيت أحمد الخديم الأسنى = نال من الله خصالا حسنى
فتح من غيب إليه باب = وحملت من مدحه الركاب
وزاره الملوك والقضاة = ورجعوا ولهم مرضاة
كم من جلائل له أعطاها = يحسده حاتم لو رآها

كامل الود

ليست هناك تعليقات :