في آخر حلقة من حلقات برنامج "الشريعة والحياة" قبل أن ينحى أمير قطر لصالح ابنه، خطا محمد الحسن بن الددو الخطوة الأخيرة التي تخوله المنافسة على خلافة القرضاوي الذي لا بد أن تميما سيستغني عن خدماته كما استغنى عن خدمات بقية الفريق؛ والده، ورئيس الوزراء.
دخل الددو حلقة المكفرين من بابها الواسع، وبذلك استلم الملف السوري. لم يكن اختيار الددو في هذا الوقت بريئا، فهو رجل بسيط سهل القياد لا يستطيع المناورة لأن تنظيم الإخوان هو الذي هيأ له المكانة التي يتبوؤها عبر الإعلام الذي فرضه شيخا علامة، ثم أنعم عليه في هذه الحلقة بلقب الدكتور استكمالا لترسيخ مكانته العلمية.
لا يعرف للدكتور كتاب واحد نافع في أي مجال من مجالات العلوم، إذا استثنينا مذكرة في الرقيا الشرعية تعرض على أصحاب السيارات عند إشارات المرور. أما بحثه لنيل درجة الماجستير فهو بعنوان "مخاطبات القضاة" وغاية ما فيه أنه تأريخ، وجمع للنصوص دون أن يتعلق بمبحث ديني يسمح بالطرافة والتأصيل .. لم يدخل الشيخ الجامعة إلا طالبا، أو مستثمرا لماله، ولم تعرف له محظرة تعليم. أما "مركز تكوين العلماء" عند الداية الحادية عشر فلم يخرج حملة باكلوريوس أكفاء، أحرى أن يكون علماء!
غاية ما في الأمر أن الرجل تعلم عند أخواله العلوم المحظرية، ثم تابع نفس التعليم في المعهد العالي، ثم انتقل إلى جامعة سعودية حصل منها على درجة الماجستير، ثم انخرط في السياسة، متقاسما الأدوار مع جميل منصور في حزب ألإخوان يقحم الشيخ الدين في السياسة، ويقحم جميل السياسة في الدين. بنى الشيخ شهرته على الخطابة، والوعظ، وفقه المعاملات، والأحوال الشخصية، مستظهرا الأنظام التي شاعت في عصر الانحطاط، في أشرطة مسجلة، وعلى شاشات الفضائيات، يسأله العامة عن الصوم والصلاة، والتجارة والزكاة ... وهو في ذلك شبيه بعمرو خالد، ومحمد حسان، والعريفي، وغيرهم من المظاهر الصوتية، التي لا تعد في العلماء، أمثال البوطي رحمه الله، والقرضاوي هداه الله.
تلك هي سيرة الرجل الذي جلس على أريكة يعلن الجهاد، ويسمي الشهداء، ويكفر آحاد المسلمين وطوائفهم. كل ذلك في قول مضطرب بلا تأصيل، وإنما يناقض أوله آخره .. قال الدكتور .. "فتح مكة كان لنصرة خزاعة وهم غير مسلمين ..." ثم أورد قول خطيبهم يستنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم .. "... وقتلونا ركعا وسجدا!" فكيف يستقيم الركوع والسجود مع الكفر، إلا عند الخوارج، ومن يكفر أهل القبلة مثل الدكتور، ولم تعرف تلك المقالات زمن النبي صلى الله عليه وسلم! ثم انتقل الدكتور إلى تكفير النظام فقال عنه إنه "يستحق الجهاد بذاته لكفره." وهو بذلك لا يكفر الشيعة، وإنما يكفر أهل السنة الثابتين على ولائهم للنظام .. ثم يعين شخص بشار فينص على كفره بقوله "الكافر المستبد."
ما يميز الدكتور هو قوة الذاكرة، حين يتعلق الأمر باستظهار أنظام عصر الانحطاط لكنك تعجب من ضعف ذاكرته حين تتناقض آراؤه وفتاواه حول نفس المسألة! سارع الدكتور إلى تكفير مسلمين من السنة والشيعة، ثم كفر شخصا بعينه، وقد كان يستعظم تكفير المسلمين ويراه من اختصاص القاضي! يقول في فتوى بعنوان: النهي عن التكفير، بتاريخ 25/12/2006 ". إن تكفير المسلمين حرام، وهو مغلظ شديد، وقد جاء فيه ثمانية أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وصح عنه صلى الله عليه وسلم" تكفير المسلم كقتله "فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "إذا قال المسلم لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما." (موقع الشيخ).
كان ذلك عام 2006 حين كان الشيخ ينافح عن النظام السوري بحرارة، ويهاجم "النصارى" هجوما لاذعا "... فالواقع أن النصارى إنما جاؤوا بإيعاز من اليهود ... وقد خططوا لاحتلال ست وعشرين دولة [كيف عرف ذلك!] وقد بدؤوها بأفغانستان ثم العراق ثم اليوم هم يهددون سوريا وبلاد الشام، ويجعلون بلاد الإسلام حلقات متسلسلة كلما خلصوا من أرض وصلوا إلى التي بعدها ما لم يجدوا مقاومة ... " (فتوى بتاريخ 01-12-2006). كان الإخوان ساعتها في صف المقاومة؛ يقتدون بحزب الله، ويقيمون عند الأسد، ويأتيهم رزقهم من إيران!
يستطرد الشيخ في فتواه الأولى قائلا .. "وهذا نهي شديد عن التكفير وتغليظ فيه، والتكفير حكم قضائي ..." لا نجد في سيرة الشيخ أنه تصدر للقضاء .. وحين كفر بشارا لم يكن يتبوأ أي منصب قضائي يخوله الحكم بكفر مسلم شاهده ملايين المسلمين يصلي في مساجد السنة، وخلف أئمتهم. وقد أورد الشيخ الحديث الصحيح "تكفير المسلم كقتله" ونسي الحديث حين كفر رجلا يشهد له الملايين بأنه من أهل القبلة. وما دام الشيخ نسي هذا الحديث الوجيز فأنى له تذكر حديث أبي سعيد الخدري الطويل! "... فقام رجل غائر العينين ... فقال يا رسول الله اتق الله فقال ويلك أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله قال ثم ولى الرجل قال خالد بن الوليد:! يا رسول الله ألا أضرب عنقه قال لا لعله؟ . أن يكون يصلي فقال خالد كم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم ... "
"تكفير المسلم كقتله" فلم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الرجل "لعله أن يكون يصلي" فما بال محمد الحسن يقتل بشارا، وهو يعلم علم اليقين أنه يصلي! وقد كان ألح، في نفس الفتوى، مستنتجا من الأحاديث التي أوردها، "ومن هنا لا بد أن يكف الناس ألسنتهم عن التكفير و التبديع و التفسيق ..." أتامرون الناس بالبر ...
يستمر الشيخ في تناقضه حين يعرف الجهاد تعريفا، لم يسبقه إليه أحد. قال: إن الجهاد ". لإعلاء كلمة الله ونصرة المظلومين" وهذا استئناف على الله ورسوله، فزيادة ونصرة المظلومين من عنديات الشيخ لمتطلبات جبهة النصرة. فقد عرف صلى الله عليه و سلم، في الحديث الصحيح المشهور، الجهاد بقوله .. "... من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله". فمن أين جاء الشيخ بزيادته .. "ونصرة المظلومين!" الظاهر أنها كانت من وحي لحظة التجييش. فقد عرف الشيخ الجهاد، في فتاوى سابقة على فتنة الربيع التي انغمس فيها، تعريفه الصحيح. "من جاهد لتكون كلمة الله هي العليا فذلك في سبيل الله." (فتوى بعنوان: هل كل قتيل على أرض العراق يعتبر شهيدا أم لا بتاريخ 01-12-2006؟).
يعد الدكتور بيان علماء الفتنة إجماعا .. "هذا إجماع لا يجوز لأحد أن يخالفه ... العلماء الساكتون يقرون هذا." يعلم الشيخ علم اليقين أن علماء بلده الساكتين خوفا على أعراضهم من "فقهاء حزبه ومفكريه" لا يقرون هذا. وهو لا يعلم شيئا عن علماء البلدان الإسلامية الأخرى. فكيف جاز له أن يسمي إجماع فقهاء الإخوان، الذين لا يمثلون عشر فقهاء الأمة "إجماعا لا يجوز لأحد أن يخالفه" والشيخ يعلم أن مفهوم الإجماع ليس عليه إجماع!
لعل سقطة الشيخ المدوية هي تلك التي استقر معها في قاع التناقض و التلبيس ... تلعثم الدكتور، ارتعدت شفته، وارتعشت نبرته حين قال: "... جهاد سوريا جهاد لا سباء فيه، ولا غنائم خصوصية لأنه داخل الدولة الإسلامية" بخ! بخ! وقع الشيخ على أم رأسه! حتى أن الصحفي سأله مستوضحا كيف؟ فكانت إجابته ترد جديد في الهاوية حين استشهد بفتوى علي في موقعة الجمل حين منع جيشه من غنائم أصحاب الجمل، ومنع السبي والاسترقاق ... عجبا للشيخ، الدكتور، العلامة، رئيس مركز تكوين العلماء، وجمعية الطرب ... كيف وقع في فخ تناقضاته بهذه السهولة!
فلم يسمع المسلمون قبله بجهاد لا سباء فيه ولا غنائم منذ أحلت لهم في وقعة بدر الكبرى. ولم يسمعوا قط بجهاد داخل الدولة الإسلامية. وهذه الدولة التي سماها إسلامية، كفرها قبل قليل، وندب إلى النفير العام ضدها! أما تأصيل ذلك بفتوى علي رضي الله عنه في الفتنة بين المسلمين، التي لم يسمها المسلمون عبر تاريخهم جهادا، ولا نعتوا قتلاها، على علو مكانتهم عند الله، وسابقتهم في الإسلام، بالشهداء، ولا يتحرج محمد الحسن من إطلاق هذه الصفة الجليلة على صرعى الفتنة في سورية!
كان الشيخ السوري أكثر إدراكا لما يقول، لأنه لم يكن يحفظ أقواله، وإنما ينشئها، فاعترض على الشنقيطي قائلا "ما قاله علي كان قتالا بين مؤمن ومؤمن وهؤلاء كفار يقاتلون قتال الكفار، هؤلاء كفرة." لكن تأصيله لتكفير بشار لا يبعد عن تأصيل الشيخ في غرابته، وسذاجته، حين قال: "هو [بشار] لم يقل يوما واحدا أنه [إنه] ليس إلها" ولم يقل حمد، أو مرسي، أو القرضاوي يوما واحدا إنهم ليسوا آلهة، فلم لم يكفرهم بذلك! وهل كل من لم يقل إنه ليس إلها يعد كافرا؟
ذاك منطوق آخر فضائح جزيرة الإخوان في ظل الشيخ حمد، وصل صداها إلى شنقيط، فأراد دكتور يحمل شهادة رسمية، ويدرس في مؤسسة جامعية، وصاحب مركز علمي مهتم بالقضايا الإسلامية أن يقول للشيخ، بأدب جم أن "بعض المتعلمين" متحرجا من أن يطلق على نفسه صفة العالم، وهو يخاطب رئيس مركز تكوين العلماء في الداية الثالثة عشر، لا يقرون هذا. فسطا به نقابي وصحفي، نخبة أتباع الشيخ، يفحمونه بسيل من نصوص الحواشي والمختصرات في تكفير الشيعة. ويجهل النقابي والصحفي، وهو ما لا شر فيه ولا باس، أن شيخهما كان، قبل فتنة الربيع التي انغمسوا فيها جميعا، ينتقد تكفير ابن تيمية للشيعة!
سيدي محمد ولد ابه
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق