الثلاثاء، 14 مايو 2013

د.جمال ولد الحسن





18 مايو الذكرى الثانية عشرة لرحيل جمال ولد الحسن
/



بين الجانب الغربي من " تنيخلف " من حيث بالغاب استَكفَّ العرا ، و بين " بقاس " منتهى إيكيدي ومبتدأ العقل كان الحي من " أولاد سيد الفال " بني ديمان يتنقل ليستقر بالبتراء " التاگلالت " حيث المحاظر راسخة القدم فى العراقة وحيث أخلاق أهل إيكيدي يحملها الرجال وتغزلها النساء للنشإ
محمد عبد الله ولد الحسن أديب و سياسي مخضرم ولد في المذرذرة عام 1918 وتلقي تعليمه المحظري في محظرة جده سيدي ولد محمد وفي محظرة جده أحمد ولد أبن عبدم و تلقي تعليمه النظامي في بوتلميت سنة 1934 وأكمل دراسته سنة 1939 ليعين مدرسا للغة الفرنسية ببوتلميت - 1940ثم عمل مترجما فى عدة أماكن من المنتبذ القصي ثم عمل بالإدارة المركزية باندر – سينلوي ، ثم انتخب نائبا فى أول جمعية وطنية سنة 1957 عرف بالحكمة والتوثيق والضبط والخطابة، وكان دبلوماسيا من الدرجة الأولى، حيث لعب دورا مهما في سبيل نيل الإستقلال، بعد الإستقلال عمل مستشارا بالرئاسة ثم أمينا عاما لعدة وزارات فمكلفا بمهام فى الرئاسة ثم عمل فى السلك الدبلوماسي فى عدة بلدان عربية وافريقية معرفا بموريتانيا حاملا قضاياها وعين سنة 1967- سفيرا لدى إفريقيا الغربية ومقرها في داكار حتى تقاعده سنة 1970 .
فى منتصف سنة 1959 وفى أمسية من أماسي البتراء الحالمة رزق محمد عبد الله من زوجته حاجه بنت ابن عبدم بطفل وديع سمياه " أحمد " على اسم الجد العلامة أحمد بن ابن عبدم وكان نجم الزعيم جمال عبد الناصر لامعا وصداه يتردد فى البلاد العربية بعد حرب السويس وتأميم القناة فلقب الطفل " جمالا "
عاش جمال فى كنف أبويه و درس القرءان فى محظرة اهل سيدي وكان بادي الذكاء ثاقب الفكر تلوح على محياه علامات النبوغ والنباهة ودرس مبادئ الشرع ودخل المدرسة الإبتدائية فى المذرذره فكان ظاهرة فريدة حصل سنة 1971 على شهادة ختم الدروس الإبتدائية بتفوق وبمعدل كبير ، فذهب إلى انواكشوط وهناك درس الإعداية ولفت الأنظار ذك الفتى الحدث ضعيف البنية الذى تشع عيناه ذكاء كان يكتب الشعر البليغ فى جريدة الشعب وكانت الإذاعة الوطنية تبث مقالاته وأشعاره ، ونبغ فى الشعر الشعبي " لغن " فكان يكَاطع أباه محمد عبد الله ولما يبلغ العاشرة ،
حين كان والده محمد عبد الله سفيرا في تونس أسر إليه معلم تونسى بتوصية تربوية بقوله : انتبهوا لهذا الطفل فإن له شأنا عظيما "
حصل جمال على الشهادة الإعدادية سنة 1973 وسنة 1976 حصل على شهادة البكالوريا " الثانوية العامة " وكان ترتيبه الأول على مستوى موريتانيا فمنح إلى تونس ، بعد خمس سنوات فى الجامعة التونسية حصل على شهادة التبريز فى اللغة والأدب بتفوق أذهل أساتذته ، وحصل على وسام التفوق الوطني من رئيس الجمهورية التونسية عام 1981.
رأس قسم اللغة العربية بالمدرسة العليا للأساتذة في نواكشوط 1981 - 1984، وعمل أستاذًا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية والمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية والمدرسة الوطنية للإدارة بنواكشوط.
فى سنة 1987 حصل من الجامعة التونسية على دكتوراه الدولة في الأدب العربي ، ونالت رسالته " الشعر الشنقيطي فى القرن الثالث عشر الهجري – مساهمة فى وصف الأساليب " على تقدير" مشرف جدا " مع توصية بطباعتها .
عمل جمال أستاذًا في كلية الآداب جامعة نواكشوط، ورأس تحرير مجلة حوليات الكلية ، وعمل رئيسًا لقسم الترجمة واللغات الحية في كلية الآداب جامعة نواكشوط ما بين عامي 1988 و1990، وما بين الأعوام 1990 و1996 عمل أخصائي برامج بالمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "الايسيسكو" في الرباط، كما عمل خبيرًا بإدارة الثقافة في المنظمة نفسها، وعمل مندوبًا للمنظمة نفسها ما بين 1997 و1999،وعمل مدرسًا في معهد تكوين مدرس اللغة العربية لغير الناطقين بها في مدينة تمبكتو وفى جزر القمر ، و ما بين عامي 1999 و2001 عمل أستاذًا في جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا " فرع العين " .
حين عاد جمال من تونس إلى المنتبذ القصي عاد يحدوه طموح لاحدود له لتطوير الدرس الأكاديمي ودفع البحث العلمي فى منتبذ يعتبر منجما من التراث الديني العريق والثقافة وله إرث علمي وثقافي مطمور فى المخطوطات المهملة فى مكتبات أهلية فعمل على جمع وتحقيق ونشر تلك الكنوز من المعارف فنفض عنها غبار النسيان فجمعت وحققت بطرق و أساليب حديثة.
وعلى الصعيد الآخر نهض جمال بأعباء التدريس فعرفت قاعاعات الدرس الأدبي لأول مرة فى المنتبذ القصي العلوم اللغوية واللسانية الجديدة ومناهج التحليل الأسلوبي المعاصرة
يقول صديقه الدكتور السيد ولد اباه عن شخصيته :
إنها شخصية متميزة مركبة ، جامعة بين خصال قل امتزاجها في الأفراد العاديين ، ومن هذه الخصال قدرة خارقة على الحفظ والاستيعاب، مكنته ـ على طريقة العلماء الشناقطة الأقدمين ـ من حفظ أساسيات التراث العربي الوسيط متونا ونصوصا ودواوين شعرية، حتى ولو لم يكن انتظم إلا في فترات متقطعة في حلقات التعليم المحظري أي الدراسات التقليدية المحلية التي توفرها المؤسسات الأهلية المسماة محاظر .
تنضاف إلى هذه الخصلة، ذاكرة حادة لا تنسى أدق التفاصيل، ولا تفوتها جزئيات الأمور، وقدرة غريبة على البناء والتركيب، وابداع الاطروحات والنظريات التحليلية، واستثمار النصوص والمعطيات في بلورة النماذج البرهانية المحكمة الدقيقة، بما كان يثير دوما اعجاب الدارسين، ويرضي فضول المؤرخين والباحثين في حقل الانسانيات اجمالا.
وإلى جانب تكوينه التقليدي الرصين، استطاع الفقيد التسلح بثقافة حديثة قوية، بفضل اطلاعه الواسع على الكتابات الفكرية الاحدث، التي كان يتابعها بانتظام، ويحرص على اقتنائها في لغاتها الأصلية، فتظهر آثارها في أعماله ويستبطنها أسلوبه في الكتابة، الجامع بين وضوح الرؤية ودقة العبارة وجمال الاشارة.
وترك الفقيد ورشات علمية عديدة ، ومشاريع بحثية تقدم بعضها خطوات كبرى ، ولا شك ان الثقافة الموريتانية والعربية إجمالا بحاجة الى استكمالها،
من آثاره من كتب ودراسات :
كتاب التكملة في تاريخ إمارتي البراكنة والترارزة ، وأسلوب الشاعر محمد بن الطلبة اليعقوبي ، والشعر الشنقيطي في القرن الثالث عشر الهجري ، و- وضالة الأديب - دراسة وتحقيق ، خواطر حول عينية الشاعر سيد محمد بن الشيخ سيديا ، ومظاهر الوعي القومي عند مثقفي ، بلاد شنقيط في القرنين 18 و19 ، والنقد الأدبي في بلاد شنقيط ، وبلاد شنقيط ودورها في العلاقات العربية والإفريقية ، وتطور صورة الفرنسيين في خيال الموريتانيين -.
كان جمال رحمه الله إلى جانب موسوعيته العلمية متواضعا دمث الأخلاق سريع البديهة يمتلك روح الدعابة له مداعبات مع الإمام بداه و العلامة عدود و العلامة اباه ولد عبد الله و العلامة حمدا و العلامة محمد الحسن ولد الددو ذكرنا البعض من ذلك فى مقالات سابقة وله مداعبات مع أصدقائه وطلابه ،
كان ولد هدار يسير مع الفنان سدوم ولد أيده ومرا على سيدة تبيع " بَنْيَ " المساة فى المشرق " لقمة القاضي " قال ولد هدار لسدوم: سدوم إشْريلِ بنيايَ لِياسرْ عنْ نوكَلْ بنْيَ " قال له سدوم :هاذ مكَلع لقيا جمال فأخبراهُ بالمكَلع فقال على الفور :
لاهِ فيكْ انركَّـبْ غايَ = عودْ امعايَ متبيظنْ يَ
سدوم إشْريلِ بنيايَ= لِياسرْ عنْ نوكَلْ بَنْيَ
مرة كان يحدث طلابه عن ورود اسم الفاعل فى اللهجة الحسانية بصيغة المبالغة وقال مثل وكّالْ وشرابْ ، وكَّافْ فقال أحد الطلبة ومثل : "حرّاگْ" فقال حمال بداهة ومثل:
" دصَّارْ " إنها كثيرة ..مرة سأله أحدهم محتدا ماذا تُدرس فأجاب بهدوء : أُدرس الأدب
سأله أحدهم : كيف حال السيارة ؟
فأجابه : السيارة صيغة مبالغة إنها سائرة فقط
وعما تبقى من حميد خصاله = أرى الصمتَ أولى بي من أن أتكلما

گِلْتْ اللًهْ أعْطِيهْ أبَديـهْ = النًعِيـمْ إلًِ مَـاهُ بُهْـتْ
إلًِ مُنْتْ الرًاضِي وَأعْطِيهْ = الرًحْمَه والجًنًه ، وِاسْكِتْ

فى يوم 18 مايو 2001 فجع الجميع برحيله فلم نعرف كيف نأبنه ولا من نعزي فيه ولا من يعزينا يقول محمد الحسن ولد الددو :

قدر الله بالقبول يلقّى=لو أتى فجأة وأنكى وشقا
أجمال الأجيال علما ودينا=وهدى راقيا وخلقا مرقى
ملء عين الزمان والسمع فينا=كنت فالرزء فيك كان أشقا
من أعزى فى أى وصف أعزى=ماأوفيك فى المجالين حقا
أأعزى ثقافة العصرأم ما=ورث الأقدمون مماتبقى
أم أعزى الحروف حرفا فحرفا=أم أعزى الأوراق رقا فرقا
أم أعزى الآداب والنثر والشعر اذاراق فالندى ورقا
أم أعزى الأنام اذ لست أدرى=أيهم كان بالتعازى أحقا

رحل صلتَ الجبين أبيا فى حين انبطح الكبار يقول عنه الخليل النحوي :

هوت هامُ الرجال وظَلـْت شهما=نقيا طاهرا ندبا شجاعا
تشع سنى على وطن عزيز=أضاع فتى، وأي فتى أضاعا

/
ويقول الخليل في رثائية أخرى لايقل نثرها شاعرية :
.. صدر يسع الجميع، وبشر حاضر، وكنف موطأ، وعرض نقي..
وجه بشوش، يتقمصه سحبان وقس، وابن الطلبه، وابن الشيخ سيديا، وابن بابا، والتشيتي، وفرسان مجلون آخرون كلهم يريد أن يكونه، ويريد الفتى أن يأتي بما لم تستطعه الأوائل..
مرابط محضري "مسح فمه" من الفنون، وامتطى صهوة العصر، يافعا..
فدائي سلاحه قلم نابض وهمة قعساء تأبى الدنية، وهمّ مقيم ما أضلت سنابك خيل المرابطين طريقها الجدد
/
ويقول عنه الشيخ محمد الأمين ولد مزيد :
كان جمال رحمه الله رحمة واسعة، منفقا كثير الإحسان، جمّ المعروف، وكان حريصا على التصدّق .. قال لي ذات مرة متأسّفا إن عندنا هنا مشكلة حقيقية - في الإمارات - .. قلت له ما المشكلة؟ قال عدم وجود السؤال الذين يطلبون الصدقات، فقلت له لا تبتئس إن هؤلاء الذين تتعامل معهم، ابتداء من سائق التكسي إلى غاسل الملابس إلى عمّال المنازل وغيرهم كلهم مصارف للصدقات، فقال لي جزاك الله خيرا .. واعتبر أني حللت له مشكلة.
وقد أوصى بعض إخوانه الكرام .. قائلا: (إلى ريتْ لِي شِي فيهْ شِي علَّمْني).
وكان يعني بذلك من هو في حاجة تتطلب التدخل السريع ونحوه.
عرفت في جمال ملازمته لخلواته التعبّدية، وحبّه للعمل الصالح، وحرصه على الخير.
أذكر أنه كان حريصا على أداء عمرة رمضان .. فقدّمته لصاحب وكالة يعمل معي، وأوصيته به خيرا .. فوفّق الله، وتيسّرت الأمور .. فكان لا ينساها له، لأنه حقّق له أمنية عظيمة، مع أنه تعامل معه كما يتعامل معه بقية الزبناء.
حدّثني جمال رحمه الله تعالى، أنه حجّ في سنة من السنوات، وكانت العودة عن طريق فرنسا .. قال فما أحببت أن أمرّ على باريس حليق الرأس .. قال فقصّرت .. ولكنني في طريق العودة أصبت "بشقيقة" شديدة، جعلتني أضطر إلى أن أظل طيلة الوقت معمما ملثما .. فمرر ت على فرنسا بهذه الوضعية.
وكنت أخاف أن أمر عليهم حليقا .. فكان في ذلك عبرة .. رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
كان جمال حريصا على استغلال وقته .. تدل على ذلك إنجازاته في مجال التحقيق ومجال التأليف.
وقد حدّثني أن أصحاب المكتبة في تمبكتو، يرفضون تصوير المخطوطات ويسمحون –فقط- بنسخها، فكان مضطرا لأن ينسخ ما يرغب في اقتنائه من هذه المخطوطات الثمينة، ومنها فتاوي نادرة، وقد أنجز من ذلك الكثير الطيب.
وقد بدأ تحقيق نظم من أقدم أنظام البلاغة في موريتانيا في تلك الأيام التي قضاها في مدينة العين في الإمارات العربية المتحدة أستاذا في جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا.
وقد قرأت مقاله عن الإمام ناصر الدين فأعجبني تسلسل أفكاره، فسألته كيف كتبه ؟
فقال لي كتبته في ليلة واحدة، وكنت مريضا مغضبا .. وكان سبب غضبه هو الكتابات التي كان يرى أنها ظلمت الإمام ناصر الدين.
/
الناس لا ينصفون الحي بينهم = حتى إذا ما توارى عنهم ندموا
/
وقد ذكر الدكتور "محمد مختار ولد اباه"فى تقديمه لمراثى المرحوم ما نصه:

وقد جعلتنى وفاته فى حيرة مما أقول,فكلما ذكرته أو فكرت فى أمره أجد نفسىفى وضع من يحاول أن يستشف بعض أسرار حياته ووفاته,من هذه الأسرار ما قد باح هو به لبعض أصدقائه تصريحا, وأشارإلى ببعضها تلميحا,لكنه احتاج أن يدونها فى قطعة رائعة,كتبها بيده وأخفاها فى بعض كتبه ووضع بعدها إشارة تنبه أن الكتاب لم يكمل, وكما قيل

فإن رواية الأحباب بدء على عود وماكمل الكتاب
/
وما يخبرك عن خُلق الليالى= كمن فقد الأحبة والصحابا


كامل الود

ليست هناك تعليقات :