درس الحرية...الذي نتعلمه
درس الحرية...الذي نتعلمه || لا أعتقد أن ثمة مفهوما فكريا تعرض للبس والاستعمال الغائي المزدوج، والغبش، بقدر مفهوم الحرية.
الذي جعلني أتبنى هذا الاعتقاد، هو أنني ما زلت منذ خروجي من فترة المراهقة، مفتونا بالنسبية وأراها هي الحل !.
أستطيع أن أقول "بنسبية مطمئنة" إنه لا يوجد مفهوم محدد ونهائي للحرية، يمكننا أن نضع عليه أصابعنا هاتفين، كما فعل ارخميدس في " تعريه" : وجدتها !.
و ثمة أمثلة كثيرة، تكشف أن الذين وصفوا عبر التاريخ بأنهم أساطين ودعاة ملهمون.... للحرية ولمريديها، كانوا أكبر محتقر للجماهير التي تستلهم أفكارهم ونضالاتهم الجذابة!.
فذات يوم وقف السيد جيفرسون والذي يعتبر أعظم الشخصيات الحقوقية وأبرز آباء الدستور الأمريكي، مع جمع من السراة أمثاله، ليطلوا من شرفة البيت الأبيض على الجماهير المحتشدة تحته، والهاتفة بما أنجزه أولئك " العظماء"، وليقول العظيم جيفرسون: يالهم من زحافات بائسة!..، إن الجماهير متقلبة، وكثيرة الشغب، وهي نادرا ما تكون على صواب!.
كيف يتفق أن تزعم النضال من أجل تحرر الجماهير، وأنت تحتقرهم في الصميم؟...إنها معركة السراة وعمالهم، والتي انتهت بمجموعة قوانين " نسبية" توضع عند كل تكثف للضغط والمطالب من قبل العمال، ولامتصاصها قبل تحولها لاحتجاجات توقف رأس المال!.
وحتى في الثورة الفرنسية ، التي تعتبر عند بعض البسطاء السطحيين، نموذجا للسعي نحو المبادئ السامية المحررة للإنسان، نجد كرين برينتون يقول في كتابه تشكيل العقل الحديث، إن ثمة جدلا طويلا ولم يحسم حتى الآن بين المفكرين حول: هل ثار الناس لأنهم يريدون خبزا ، وماء و سلامة من الضرائب،..أم أنهم ثاروا من أجل الدستور وقيم الحرية النبيلة؟؟.
وحتى في عصرنا الحالي والذي يسمى بعصر حرية الإعلام، يمكننا ببساطة أن نكتشف زيف التسمية وفجورها !،....فالمرحوم الدكتور عبد الوهاب المسيري، يخلص بعد مقاربة فكرية رائعة إلى أننا نعيش عصر" تغول الإعلام" وسيطرته على مفهوم " الرأي العام"، بنفس الطريقة التي " تغولت بها الكنيسة" في مرحلة ما قبل " العلمانية".
حسنا يمكننا أن نميز أن " الرأي العام" تحول إلى مجرد " انطباع عام" وأن الغالبية لم تعد تمتلك حاسة نقدية تجاه الصورة وطغيانها، وإنما تستقبلها بعواطفها، وتتبنى كل مكوناتها الفكرية!.
لقد ظهرت كارثية الأمر وانعدام حريتنا في تكوين رأي حصيف ونقدي مبين، أيام ما يسمى بالربيع العربي، المنقول على أسنة الفضائيات، وأصبح ما تنقله قناة الجزيرة عند البعض رأيا حقيقيا ومعبرا عن تطلعاتهم للحرية، في حين أنه عند طرف آخر مجرد دعاية غازية لمفهومهم الآخر للحرية!..،إنها حرب الإنطباع الممزوج بنرجسية الموقف السياسي" المصلحي"!.
في مواقع التواصل الاجتماعي،وخصوصا الفيس بوك، استمر ذلك المرض الأيديولوجي، والذي يعتبره اوكتافيو باث أخطر من المرض الأدبي المتعلق بالمزاجية في النقد الأكاديمي الجديد!.
فهنا لا يفهم الكثيرون أن الصفحات فيها : شخصية، وفيها عامة، فالشخصية سترتبط قطعا بالمزاج الذاتي، وبمجموعة مبادئ للفرد تحكم علاقاته مع الآخر، وهي كأنها بيته!..، وفي بيت المرء لا يمكنك أن تلقي عليه محاضرة في الحرية لأنه قرر أن لا تزوره مثلا بعد العاشرة، ...،قد تقول إنه بخيل، لكنك لن تستطيع أن تزعم أنه ليس حرا...!..، ومع ذلك أنت حر في أن تجلس في بيتك "صفحتك" لتنتقد بخله عليك بمجرد الزيارة والحديث!.
أما في الصفحات العامة والتي غالبا تعبر عن شخصية عامة، فبإمكانك أن تتمتع بأوقات زيارة مفتوحة، وهناك لا ينبغي أن يطردك أحد لأن مفهوم الحرية النسبي هناك يتوسع ويختلف!.
أتمنى لكم إقامة مريحة في بيتي هذا...، ولكن تذكروا هو بيتي في نهاية الأمر...، ومن عادتي أن أمارس كامل حريتي في بيتي الافتراضي، بعيدا عن أقانية العادات الاجتماعية التي تجبرك على المجاملة وعلى الكرم الزائد، وأنت في بيتك " الواقعي"!..،أحبكم جميعا
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق