من أرشيف الرحلات(1)!
المكان "كَراج لعيون"،المطل على الأفق المكتظ بالذكريات،وأنا أحمل حقائبي،وأتحسس رزنامة من النقود في جيوبي قدرها 10000أوقية،واسأل عن الأجرة،كانت هناك "مرسيدس 190" متهورة وفاتنة وصاحبها متهور مثلها،أراد
العشرة كلها،أشحت بوجهي عنه،ويممته صوب الخطوط الجوية الملكية سيارة "رينو" عتيقة اختلطت فيها ألوان الطيف السبعة،ذكرني صاحبها بقصيدة امرؤ القيس التي مطلعها "قفا نبكي"،وقد بدا شبيها برجال الدين في"سيرلانكا"،ناولته التسعة آلاف ثمن الأجرة،وبقيت بحوزتي الف أوقية يتيمة،سألته عن وقت الإقلاع،أجابني ببرودة أعصاب عندما تكتمل "ابصاجه"،قلت لم لا أعود للمنزل لتزود ببعض الوقود(النادر)وتناول الغداء،بيد أنني أحجمت،وقلت لا رجوع إلى الإمام،اشتريت الغداء والحياة حلوة،وبقيت بحوزتي 500 أوقية ومسافة الرحلة قدرها 850 كلم وقبطان "رينو" لا زال يجمع "بصاجه"،بعد العصر انطلقنا،كان معظم الركاب من المدنيين العزل،نساء وأطفال ورجلان من أقصى الحياة،وقطيع من الغنم يجلس على سطح السيارة،وبسبب قوانين "التمحريم" الصارمة حرمت من مقاعد الدرجة الأولى،وتم حشري في زاوية ضيقة في مؤخرة "رينو"،حيث كان الأكسجين يزورني بصعوبة،وعندما بدأت "رينو" تترنح على طريق "الأمل" المكتظ بالحفر والغبار،بدأ صوت "لكذاف" يأتي من كل حدب وصوب،مما أظهر لي أن الجهاز الهضمي عند البعض لا يعمل بشكل جيد،حيث كانت حبات الأرز وقطع اللحم تخرج دون أن يتغير لونها وشكلها!المكان "كَراج لعيون"،المطل على الأفق المكتظ بالذكريات،وأنا أحمل حقائبي،وأتحسس رزنامة من النقود في جيوبي قدرها 10000أوقية،واسأل عن الأجرة،كانت هناك "مرسيدس 190" متهورة وفاتنة وصاحبها متهور مثلها،أراد
قبيل منتصف الليل وصلنا مدينة "كيفه" وقد قطعنا 200كلم،وكانت رائحة "المشوي" تفوح من كل مكان،توزعت "بصاجه" إلى تكتلات صغيرة،واعلنت أنا الانشقاق،فلا قبل لي بدفع ضريبة "المشوي"،ومن جهة أخرى أنا نباتي وتعجبني أفكار "المهاتما غاندي"،انزويت كعاشق حزين في ركن قصي،وفي هذه اللحظات ستتفتق موهبتي الاقتصادية(حسن التسيير)،اشتريت "كرطونة" من البسكويت(40أوقية)،وعلبة من الحليب(200أوقية) قبل ارتفاع الأسعار،وقنينة من الماء(100أوقية)،قمت بسكب اللبن داخل "الكرطونة"،حتى أصبح الخليط "عيشيَ" الملمس،كان لذيذاً،بدوت وأنا أتناوله كأحد الناجين من زلزال "هايتي"،ذهبت لصاحب الشاي في المطعم،وشربت كأسا مظهره أنيق وطعمه غير مصنف،دفعت له 40 أوقية،وبقيت بحوزتي 120أوقية فقط،عدت للقوم وكانوا يغسلون أيديهم بالصابون،لفصل الدسم المترسب عليها من آثار "المشوي"،وكانت تعابير الاستهجان تعلو نظرات إحدى النساء،ولو كانت لكنتها شامية لقالت لي "يا عيب الشوم"،تختبئ عن المدنيين العزل(النساء والأطفال)،أين المروءة!،وهي تشاهد قنينة الماء في يدي،لقد صدق "ديكارت" حين قال إن المظاهر خداعة،كان بوسعي الركون للتطفل،لكنني ممانع وخجول،انطلقنا وبتنا على مشارف "كرو"،كأن سيارة صاحبنا تشبه عملية السلام في الشرق الأوسط تتحرك بصعوبة،...في غسق الدجى انطلقنا،ومن باب الفضول،قمت بحساب سرعته،لأجده يسير بسرعة 70كلم في الساعة،في حدود الحادية عشر صباحاً وصلنا "آلاك"،اشتريت قنينة ماء وبقيت بحوزتي 20 أوقية،ولقد أنهكت نقاط التفتيش جيوب صاحبنا،ففي سفينته يحمل كل شيء البشر والأغنام والحبوب،كأنها "تيتانيك" في نسختها الموريتانية،مع أن الأجواء كانت بعيد تماما عن الرومانسية،وسط صياح الأغنام وضجيج ماكينة السيارة وبكاء الأطفال وتشنج الركاب من وعثاء السفر،وجلوسي المقوس في الخلف!
في حدود الرابعة عصرا وصلنا عاصمة "الأمل"،كانت رياح البحر تتسرب بلطف لمسامات جلدي،رفعت بصري جهة مجمع البيت،في سفحه كانت تقف فتاة كأنها هبطت لتوها من السماء،تلتحف البياض وممشوقة القوام،كأنها من "العرب البائدة"(قوم عاد وثمود)،لكنها سرعان ما تلاشت كمذنب "هالي"،عندما دخلت في سيارة مظلمة،وبقيت أنا كتمثال قديم،أشعر بالتهميش في زمن العواطف الرأسمالية،ركبت "تاكسي"واتصلت بأحدهم أن يجهز(باص)،كانت الوجهة مضارب "بيتيك كسكس"،قرب دار "ولد بوعماتو"(مثلث الأمل)،مررت بالقصر الرئاسي،حدقت في حدائقه،وقلت في نفسي يا ترى ماذا يفعل "أمير المؤمنين" الآن،وهل يعلم أن أحد الرعية(أنا)،لم يتناول الفطور والغداء بعد،وصلت للدار،وتوجهت مباشرة إلى المطبخ وأعلنت هناك حالة الطوارئ،...هنا تامشكط والساعة09:01(أنتم الأمل)،و(كنكسيون خامرة).
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق