في المولد النبوي الشريف ــ ثامنا:
تأسّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخيه موسى في تجربة النقباء، فخاطب وفْدَ الأنصار إلى بيعة العقبة الكبرى قائلا: (أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا ليكونوا على قومهم بما فيهم) فأخرجوا إليه نقباءهم، فقال للنقباء:
(أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي)...تأسّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخيه موسى في تجربة النقباء، فخاطب وفْدَ الأنصار إلى بيعة العقبة الكبرى قائلا: (أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا ليكونوا على قومهم بما فيهم) فأخرجوا إليه نقباءهم، فقال للنقباء:
جوهر هذا الدين هو الوحي؛ ولكنه كذلك لا يتنكر لدور التجربة في التراكم المعرفي...
هذا الدين لا يعترف بالطوباوية في التفكير ولا الفوضى في المنهج والممارسة...
إنه دين العقل السليم والتفكير المنطقي الذي يرتب المسبَّبات على الأسباب، والنتائجَ على المقدمات. فرغم الإهانات والمضايقات ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتب أمره، وينظم صفوفه، ويعد عدته، حتى إذا هيأ الظروفَ، وأقام الأسباب، وتوفرت وسائل النجاح، واطمأن على المؤمنين، شرع يدعو ربه: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً} فاستجاب الله دعاءه، وأذن له بالهجرة، فكان مُدخل الصدق المدينة ومُخرج الصدق مكة..
بدا لسادة قريش أن كل محاولاتهم في احتواء الدعوة باءت بالفشل الذريع، فأجمعوا أمرهم على اغتيال رسول الله عن طريق مجموعة من الشباب تنتمي إلى مختلف البطون، ليتفرق دمه بين الناس. وحين علم صلى الله عليه وسلم بالأمر نادى ابنَ عمه وأخاه زوجَ الزهراء عليا، وقال له: (نم على فراشي وتسجّ ببردي هذا الحضرميّ الأخضر فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم) كما كلفه كذلك بالتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عنه بعض ودائع الناس التي لم يكونوا ليأتمنوا عليها غيره.
بات الفريق الخاسر الذي يحاصر بيت رسول الله يرقبونه حتى نهض عليٌّ من الفراش، وخرج ليتوضأ في الصباح، فأيقنوا خيبة مسعاهم... روى الحاكم عن ابن عباس قال: شرى عليّ نفسه ولبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ثم نام مكانه.
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رماهم بحفنة تراب، وهو يتلوا مفتتَح قلب القرآن، وخرج إلى دار صاحبه الصدِّيق أبي بكر وأخبره: (إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة) فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله، وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبته، وابتاع منه إحدى راحلتيه، واستأجرا دليلا ليرشدهما في الطريق، وواعداه غار ثور بعد ثلاث، وباتا ليلتهما في الغار، حيث بدأت عناية الله تحفهما، وبدأت معجزات النبي صلى الله عليه وسلم تترى بِعَدَدِ خطوات الطريق الممتد من مخرج الصدق إلى مدخل الصدق...
وبعد أيام قليلة ورحلة مضنية سييكون هذا الرجل الذي أراد قومه أن يقتلوه محلَّ ترحاب منقطع النظير بين ظهراني قوم آخرين سبقت لهم من ربهم الحسنى، فآووا ونصروا، فحظوا بسعادة الدارين...
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق