ذكريات........مع
الداعية "ولد سيدي يحي"!!
بينما شهر أكتوبر يقيم تأبيناً على أطلال الخريف،والشمس متجهمة كأنها نظرات
جندي وقع في الأسر،والسماء نحاسية وبعيدة ومتجانسة لا يكسر رتابتها إلا
غراب حزين يحلق بعيداً كأنه يبحث عن الغيوم،ونباتات العشار"أنتورجة"
متناثرة على
مد البصرْ،رفقة العشب الأصفر الشاحب والمنحني كوجوه مشجعيالداعية "ولد سيدي يحي"!!
بينما شهر أكتوبر يقيم تأبيناً على أطلال الخريف،والشمس متجهمة كأنها نظرات
جندي وقع في الأسر،والسماء نحاسية وبعيدة ومتجانسة لا يكسر رتابتها إلا
غراب حزين يحلق بعيداً كأنه يبحث عن الغيوم،ونباتات العشار"أنتورجة"
متناثرة على
البرازيل بعد سباعيات ألمانيا مونديال 2014،ورياح "أريفي" كأنها بخار
حمّامات "تنسويلم"،تلسع قسمات الوجوه بكل قسوة،كأن حرارتها تذكرني بصفعة
قوية وجهتها لي صبية شرسة وأنا صغير ولازلت حتى اللحظة أحتفظ بحق الردْ
وأطالب ذاكرتي بضبط النفس!
لقد كانت الرحلة من "لعيون" صوب "نواكشوط"،وكنَّا أربعة وخامسنا السائق
الذي تذكرني ملامحه بشعراء البلاط في صدر الإسلام،كان لونه قمحياً وبديناً
يشبه مصارعي "السومو" في اليابان يرتدي عمامة بيضاء يكورها بشكل لولبي في
النصف الأعلى من رأسه المدور والسيجارة لا تغادر أصابعه التي يتوسطها خاتم
محدب،وبجانبه رجل ستيني وقور ورزين قد حجز لنفسه "بلاصتين" خوفا من
المضايقة كأنه حاتم الطائي وقد تجلي ذلك في المطاعمْ عندما تكفل بجميع
النفقات،ونحن الشبابْ في الخلف عن يساري شاب كأنه من سيرلانكا يدخن التبغ
و"رويجل أحرشْ"يبدو أنه ملَّ من اللف والدوران في إفريقيا وعائد لعاصمة
"زازو" ليمارس حفر الأحلام فيها عساه يجد شيئا،وكان لا يتوقف عن الكلام
كأنه محلل سياسي صاعد،وعن يميني شاب نحيف يشبه فلاسفة اليونان يفكر مليّاً
ويتحدث بثقة يعاني من سعال خفيف كأنه ذاهب للعاصمة من أجل إجراء
الفحوص،وبين الاثنين أوجد أنا ملامحي تشبه ملامح سكان جزر الكاريبي
والمخبرين السريين أراقب عدادْ السرعة حينا وحينا معالم الطريق،وقدمي
الأيسر يتمايل كراقصة شرقية على الأنغام الصاخبة التي لم تتوقف للحظة من
مسجل السيارة،التي لست أّذكر طرازها لأن عشق "مرسيدس 190" ساعتها كان
يتملكني....كان السفر سعيداً الموسيقي والأحاديث الجانبية كفرامل السيارة
تعمل بسلاسة،رغم رياح"أريفي" القاسية حتى فقس أحد الإطارات فجأة لنتوقف مع
شيىء من القلق زال عندما أخرج السائق العجلة الاحتياطية لنواصل السفر
وليعود قدمي ورأس السائق للاهتزاز على أنغام الموسيقي،فأذن السائق كانت
بيضاء جداً كقمم الجبال الجليدية وأذني أيضا!!
على بعد حوالي 40كلم من "كيفه" فقس إطار آخر ودخلت مشاعرنا جميعا مقام
"لبتيت"،ليخطب فينا السائق قائلا: أنه سيستقل سيارة لقرية "أقورط" القريبة
من هنا ليصلح الإطار!!
أثناء ذلك تراءت لنا خلف السراب تحت سفح الجبل خيمة بيضاء قررنا الإتجاه
نحوها،ومعنا السائق ليشرب،توغلنا بين العشب المطرز "بأنيتي" الذي التصق
بملابسنا وبين الأحذية وباطن الأقدام ليعذبنا يدعمه في ذلك "شواطْ أريفي"
وشفاه متشققة تبحث عن الظل والرطوبة،ونحن نمشي فرادي كأننا مساجين يساقون
إلى العدالة....وصلنا لحافة الخيمة لغير "مسموكَة" وقد توسطتها "خبطة" تجلس
القرفصاء بمحاذاة "شقبو" و"الدّفَ" كالسور يلتف على الخيمة تمنعه
"الإنايلن وجتيل" من أن تدفعه الرياح داخل الخيمة،كانت المرأة تعزل الزبدة
المتناثرة على أديم "أشنين" في "كدحة" سمراء أطرافها منقوشة،وكان هناك شاب
في وضعية النائم يغطي وجهه "بكم دراعتو" وقربه مسجل من نوع "SHARP"
مضبوط على شريط من "ولد سيدي يحي" لا أتذكر عنوانه،ولقد تزامن جلوسنا بعد
التحية مع هذا المقطع من الشريط:
"تشوف مدَّة مسافرة نهار حامي ومريفي وداير الهول لين تكريفي وتْهم دور
يعرفو أن مولان واحد" هكذا كان المضمون وربما ليس بهذا النسقْ!!
ضحكنا وضحك من في الخيمة وقد استقبلونا بالترحاب و"الزريك" وكؤوس
الشاي،ليذهب السائق ويعود بالإطار ونغادر وقد بدا على صاحبنا شيىء من
التقوى فعشنا فترة من البيات الموسيقي حتى وصلنا مشارف العاصمة الثانية
ليلاً وبدأ هواء "الساحلية" البارد يداعب مسامات جلودنا المنهكة،ليتصل
صاحبنا بصديقه ويأمره أن يبتاع له "ديكا مشويا" من مطعم "الأمير" ويضغط على
زر مسجل السيارة لتنبعث الموسيقى من جديدْ،وتعود قدمي اليسرى ورأسه
للاهتزاز وهكذا تفقرنا!!
خلاصة القول أن صدق "ولد سيدي يحي" في منهجه جعل مواعظه تأتي في الوقت
المناسبْ....وهكذا هي أمور الحياة مع النية الصادقة والإخلاص سنقترب من
الإنجاز والحصادْ!!
الصدق منجاة وعندما نتحدث بصدقْ ونعيش بعفوية ومحبة سنرتاح وستصغي كل
الأشياء من حولنا لما نقول!!
22 ليلاً و 36 دقيقة بتوقيت تامشكط وقد تنزل الشتاء هذه الليلة الباردة
والطويلة وسافرت "مكروني" مع طيور النورس نحو الشمال!!
إشتقت لشوطئ "كانصادو" وتكسر الأمواج على الصخور ومنظر السفن البعيدة ووجبة
من سمك السلمون ولعيونها تصبحون على خير!!
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق