المآذن السائبة: توحيد المآذن.. أولى من توحيد المنابر
لقد كتبت سنة 2010 قصيدة تحت عنوان " المآذن السائبة"، كانت تستلهم تاريخ بلادنا يوم كانت"سائبة" بلا نظام موحد،وكيف كانت المدن التاريخية الأربع الرمزية (شنقيط- وادان-تيشيت- ولاتة) تنظِّمُ- عبر مآذنها الخالدة- تلك السيبة، فتؤسس الاستثناء العجيب، من خلال
زرع النظام في نسق الفوضى،ولكنني اليوم أمام قرار وزارة الشؤون الإسلامية الداعي لتوحيد خطبة الجمعة ، ألحت علي فكرة أنَّ تنظبم المآذن أولى من تنظيم المنابر، حسب منطق ترتيب الأولويات،فكم يحز في نفسي أن أجد كل الدول التي أقمت فيها،تتوحد مآذنها على رفع الآذان في لحظة واحدة، تطبيقا لكون الصلاة على المؤمنين "كتابا موقوتا"، بينما مساجد بلادي لا تتفق فيها مئذنتان على توقيت موحد للآذان، ولا الإقامة، مما يجعل مآذننا الحديثة- في ظل سلطة تنظيم الدولة الموحدة- أجدر بعنوان" المآذن السائبة" من أمهاتها القديمة..في ظل سيبة البداوة. وتلك إحدى المفارقات الاستثنائية المميزة، التي جعلتني أسميها "البلاد السائبة" ذات مرة، فلازلت أذكر- على مضض- أنني في آخر عودة لي إلى موريتانيا، كنت أستيقظ في الهزيع الأخير من الليل على أبرز تجليات سيبة مآذننا الصارخة والفاضحة،حيث تظل من الساعة الرابعة،،تتصادح في تناشز غريب، كلما أذنت مئذنة أقامت أخرى، وهكذا دواليك، حتى الساعة السادسة صباحا.ولعل أطرف ملاحظة سجلتها في هذا السياق الذي يشغلني كثيرا، هو أن أئمتنا ومؤذنينا،يفهمون كون الصلاة،" كتابا موقوتا"،وفق توقيت أمزجتهم وأهوائهم المختلفة، ولا يعتمدون مرجعية موحدة لتوقيت الدولة، الذي ينبغي أن تقره وزارة الشؤون الإسلامية، وفق التقويم الفلكي، ولكن ساعتهم البيلوجية -فقط- توحدهم، حين يتعلق الأمر بدقات ساعة المعْدَةِ، عند لحظات الإفطار، في رمضان، فهنا تتنافس هذه "المآذن السائبة"، على رفع الآذان -خلاف المألوف طيلة السنة- في وقت واحد، وكأنَّ توقيت الجسم و" الطين"،أقوى سلطة من توقيت العلم والدين!
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق