السبت، 13 ديسمبر 2014

ناجي محمد الإمام بيضاء" التي كانت " ملكي" كما يوهم الأهل أطفالهم في المنطقة الوسطى. أحاديث العشيات:أنوار الباطن 1

بيضاء" التي كانت " ملكي" كما يوهم الأهل أطفالهم في المنطقة الوسطى.
أحاديث العشيات:أنوار الباطن 1
::::::::::::::::::::::::::::::
في دارنا ذات الغرفتين بجدرانها الطينية و سقفها "المضلع "بخشب "تورجه " والتي تطل من أعلى كثيب على "التاولقه" قرب "عبُّون" الغليق على الضفة مقابل "مدرسة صنقرافه الشعبية" كما كان مكتوبا على جدارها الغربي بالطلاء الأزرق ، كان الوقت ظهر أحد أيام أواخر الصيف وقد بدأت العطلة في سنة قحط ما زلت أتذكر علامتها الفارقة بالنسبة لي :إنهاسنة بيع "ام دلال" البقرة (التوس)الحلوب الحمراء ذات "الدرقة 
لم أعد أتذكر هل هي السنة الدراسية 1968 أو التي تليها، غير أنها من السنوات العجاف التي أهلكت الحرث و النسل و تركت في المجتمع الموريتاني آثارا و أسست لمتغيرات في كل مناحي الحياة من علاقات الإنتاج إلى مكونات المائدة.
فجأةً انطلقت زغاريد عالية في هدأة قيلولة القرية و جوِّها الحزين و خرج الجيران يتساءلون فالزغاريد لثلاث مسائل حصراً: العرس أو الطلاق أوالترحيب ، و لكل حدث عدد من الزغردات لا تتجاوزه إلا إذا كانت ترحيبا فهي مفتوحة...
من شمال القرية كان الإيقاع يقترب حتى تراءت على جانب "الربينة" الشرقية سيارة لاندروفر و بدا أنها تتجه إلينا ، وأغلب الظن أنها سيارة "الجراد" متجهة إلى الوادي ، فلو كانت سيارة الحاكم لتوقفت عند المدرسة واستقبلها كبار القرية في غياب المدير، أما الدرك فلون سيارتهم معروف..
كانت عصابات الأطفال المتسلقين بأعداد غفيرة تعدو خلف اللاندروفر كغبارها المتصاعد...
قالت : والله الل سعدنا...و أطلقتْ ما في حنجرتها من الزغاريد في شحنات متتالية انضمتْ إليها صويحباتها في جوق من الطرب البريئ و الترحيب العفوي..(سعدنا جا..سعدنا .. جا)
بادرتْ "عايشة" ل"تبشر" الوالدة التي كانت أكملت وضوءها وبدأت نافلة ما قبل صلاة الظهر...
دخل "الشيخ سعد أبيه" سعدنا وقد وضع ذراعه العطرة على منكبي لينحني بقامته المديدة على كتفها و يلثمه و يجلس بجنبها..
في لمح البصر تحولت جنبات الدار إلى مهرجان شعبي فغص الكثيب بالرجال و النساء :هذا للسلام و ذاك ل"لْهَم" و تلك ل"لتبرك"..
كان الجميع ينتظر أن يفرغ من حديثه مع "ميمونة" و بعد حديث هامس تطرق إلى ما استوجب أن تفتح "صندوق تاشته " المتوارث عن القطب"ابُّوه" وربما عن "أدِّي" و واصلا النظر في ورقات داكنة و جداول كثيفة.. و بإشارة آمرة صارمة خرجتُ ف"خزانة الأسرار" بأوفاقها و أحرازها كالذخيرة الحيَّة لا يقربها إلا من خضع لتربية أبسطها الخلوة وما بها وفيها من "أهوال" و "اختبارات"...
خرج بعدما نصبت خيمة أمام الدار و"نشرت " فيها "الحصائر الحُمرُ التي استعيرت من مختلف دور الجيران و بثت عليها "الوسائد" (الصرامي) المقلمة، و جيئ بمواعين الأتاي من الأسر الموسرة التي تملك احتياطا من ""براريد الديك" المشجرة و الكؤوس المنمقة"كيسان البنار" و الطوابل الصفراء المطبوعة بدمغة مراكش، وجُرِّدتْ قوالب "التلجي" و تركتْ أخرى بملابسها الزرقاء والبيضاء متلفعة كقيادات القبائل يوم "الحصرة"...
كان يرافقه صديقه الحميم "الداي" المشهور بظرافته و ثقافته العصرية وطبعه الرائع، فتناهض الرجال يلتمسون عناقا أو لثم يد أو مصافحة ابن العم الزعيم، فكان لكلٍّ ما أراد...
أقيمت صلاة العصر في خشوع مهيب ، تلتها نجوى مع "علية القوم" و "جبديات" مع قريبات و أقرباء...ثم دلف إلى حيث الوالدة ضاحكا مستبشرا كأنه هارون الرشيد في هيبته و المنصور في قامته وقال : أمي لحجاب و لاهي نمشي بالناجي شور الحنيكات يعطي معايا أيام...

ليست هناك تعليقات :