الصَّاحـــــــــــــــب "الصديق"
رحم الله شاعر البيضان الأول و ربما الأخير محمد ولد ابنو ولد حميدا، فكم نادى (صاحبه) واستشهده ، وسأله و ساءله، و باح له وأسَرَّ إليه، واستنجد به ..كما فعل أضرابه من بهاليل العرب:
*قال لي صاحـــبي ليعلم مـا بي ** أَتُحبُّ القـَتول أختَ الرباب ؟
*قال
لي صاحبي و عيبة سري ** و من اخترتُ صاحبا ونديما
*بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه** وأيقن أنا لا حقين بقيصرا
*أقول لصاحبيَ وكنت أحـــدو ***ببعض الطير ماذا تحــــدوان
فهل وجد ولد ابنو الصاحب ،يوم ،بقيَ وحيداً ، وراء متجر "أهل نوح" في "الدويرة " بودور بالسنغال، ليلة وداعه الدنيا وأهلها ، و هو العبقري الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، في الموقف الذي يصفه بشجاعة منقطعة النظير، وبسخرية من المصير ، تذكر بالرجال؟ وهل وجده المعري و المتنبي والحمداني و امرؤ القيس وعنترة ونواحة اليمن وابن الريب..
إن للعظماء عند تصحيح النهايات مواقف لا يفهمها إلا من أوتي ملكوت إيفاء اللحظة الفارقة ، في السياق الفارق، حقها من الزمن المتوقف هُنيهة ، ليُسجل الحداد، على طريقته، ساعة رحيل "العظيم"...
.. إنَّ الأبدَ، يعلم مكانة " العظيم" ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون....
(*عاقبْ دهر نْروحْ *لَ هْلي طَرْبي تــامْ *هذانَ مطروحْ* ف قْفاَ يا القسامْ * بوتيك أهلْ نوحْ* عليه السلامْ*)
فلماذا هذا الجزء المتخيل منا لا يتحقق أبداً؟؟ لماذا وحدها الغاية منه لا تنقضي و إليه لا تنتهي؟ ولماذا يكون باستطاعتك أن توجد وتَجدَ كل مُشتهَى، وكلَّ ضروري و كمالي، ولكنك لا تستطيع أن تجد أو توجد أو يوجد لك"الصديق الوفي"؟ لماذا استحال ــ عقلاً ــ على هذا الكائن شبه الكامل أن يوجِد من ذاته " إلفا" أو"مؤالفا" ؟
لماذا يتَوَصَّلُ المرءُ ــ دائماً ــ في مواقيت متأخرة من عمره إلى أن ثلاثي الغول والعنقاء و الخل الوفي مجرد خرافات لا وُجود لها..؟
ولأنه لا وجود لها ، والحاجة إليها، في بعض المواقف، أهم من وجودها ذاته ، وبما أن الاختراع من ضغط الحاجة، فقد استخلص الانسان الغربي ــ وهو العقلاني العملي ــ نفس النتيجة التي توصل إليها البدوي الأعرابي الصعلوك المجرب ،قبل البعثة و ربما قبل التاريخ،إلى أن الكلب أخلصُ من "الصديق ـ الآدمي" ...
أَ لنَفس الاستنتاج لجأ إلي صحبة الكلبِ عالم الذرة المتقاعد ، وشاعر الالياذة ، و الممثلة الجميلة عندما تتكهل في عينيها الجاذبية ،فيتحدثُ إليه ذاك عن المعادلات، والمعدَّلات والتناقض الحاصل بين الحلم والواقع ، وتلك عن غدر العشاق ،و هذا عن حسد المُبدعين ،بعد أن استهلكت الجميعَ أنخابُ الحفلات الراقصة في كؤوس "الباكارا "الشفافة، و ثمالات النبيذ المعتق في خوابي و دنان "الملك الشمس" على معزوفات "شوبان" و " بيتهوفن" تدوزنها صبايا " فيينا" وغلمانها والجوق يتلفع بالسواد في عتمة المسرح الدائري....
و لماذا أَوْكَلَ الأعرابي الصعلوكُ إليه حراسة شويهات أبقاها له الدهر بعد أن انفضَّ سامُر الشحم و اللحم والشعر و الثريد والمعاصم الروية والضفائر الغجرية والِحكَم العربية التي لا تَجِدُ من يستشهد بها إلا المتحسرون؟..
لماذا يتَوَصَّلُ المرءُ ــ دائماً ــ في مواقيت متأخرة من عمره إلى أن ثلاثي الغول والعنقاء و الخل الوفي مجرد خرافات لا وُجود لها..؟
ولأنه لا وجود لها ، والحاجة إليها، في بعض المواقف، أهم من وجودها ذاته ، وبما أن الاختراع من ضغط الحاجة، فقد استخلص الانسان الغربي ــ وهو العقلاني العملي ــ نفس النتيجة التي توصل إليها البدوي الأعرابي الصعلوك المجرب ،قبل البعثة و ربما قبل التاريخ،إلى أن الكلب أخلصُ من "الصديق ـ الآدمي" ...
أَ لنَفس الاستنتاج لجأ إلي صحبة الكلبِ عالم الذرة المتقاعد ، وشاعر الالياذة ، و الممثلة الجميلة عندما تتكهل في عينيها الجاذبية ،فيتحدثُ إليه ذاك عن المعادلات، والمعدَّلات والتناقض الحاصل بين الحلم والواقع ، وتلك عن غدر العشاق ،و هذا عن حسد المُبدعين ،بعد أن استهلكت الجميعَ أنخابُ الحفلات الراقصة في كؤوس "الباكارا "الشفافة، و ثمالات النبيذ المعتق في خوابي و دنان "الملك الشمس" على معزوفات "شوبان" و " بيتهوفن" تدوزنها صبايا " فيينا" وغلمانها والجوق يتلفع بالسواد في عتمة المسرح الدائري....
و لماذا أَوْكَلَ الأعرابي الصعلوكُ إليه حراسة شويهات أبقاها له الدهر بعد أن انفضَّ سامُر الشحم و اللحم والشعر و الثريد والمعاصم الروية والضفائر الغجرية والِحكَم العربية التي لا تَجِدُ من يستشهد بها إلا المتحسرون؟..
إيـــــــــــه:
عندما كان الشاعر العربي في أصدق تجليات جبلته، ومنها طمعه في نوال
الخليفة قال:
أنت كالكلب في حفاظك للود ** وكالتيس في قراع الخطوب
ولما تدخلت الصنعة أمرَ الممدوحُ بإسكان الشاعر على ناصية جسر الرصافة ــ ولجسور بغداد في ذلك العهد الزاهر رائدات من إنتاج عهود الرقي الإنساني.. عندما كانت ممر صبايا وغلمان الرصافة في نزهة الأصيل على شاطئ دجلة الحالم يجررن أذيال الخز والحرير، فلا تسمع إلا وشوشات المدلهين و أوراد الزهاد و المتصوفة يتقطعون ذكراً وفكراً من أمثال بهلول الحكيم و عصاه التي يركبها جملاً على طريقة الأطفال يلقي حكمته ولا يبالى بالمارة، كما حصل له مع هارون الرشيد ذات يوم ــ و قضى الشاعر بين القصر و الجسر حولاً كاملاً حتى طلب المثول أمام الخليفة ،الذي قال لهم: هاتوه فقد قال شعراً...فجيئ به و أنشد:
عيون المها بين الرصافة والجسر*** جلبن الهوى من حيثُ أدري و لا أدري
والقصة معروفة، و مناط العبرة منها أن الشاعر كان أصدق عاطفة وتجربة في الأولى عندما مثل وفاء ممدوحه بوفاء الكلب وأكثر تصنعاً وأقل وفاء عندما هجر صديقه في المرعى و قاموسه الأصلي...
فمن لنا بصديق، مقابل الدنيا وما فيها، ولو للحظة واحدة، فإنـه لا يُقَدّرُ بثمن!!
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق