الفيافِ 31: الرومنسية لدى العتاريس
الفيافِ 31: الرومنسية لدى العتاريس:
عجز لغظف عن كتابة "الفيافِ" كالعادة، فغابتْ عنه السعادة. فقرر أن يبحثَ في الشوارع، عن أديب بارع، يستخبر من نحوه الأخبار، ويسرق منه الأفكار. وبينما كان يسير، ويطلب من الله التيسير، رأى "عتروسا" يتسكع، فأقبل نحوه وقال له: "يا عتروس، هل لك في عيش حميد، وقمح جديد" ؟ . فقال العتروس: "يا غدار، هل تظنني كالحمار، ولكن اسأل عن ما بدا لك، فإن عاطفتي إنسانية، وأجوبتي مجانية". فقال لغظف: "لماذا تنتشر الخيانة في مجتمعكم" ؟ فقال العتروس:... "إذا كانت فينا خيانة، ففينا أيضا أمانة، وإني والله لستُ كالعتاريس، فلم أعرف في حياتي سوى كـُنْـدُليزا". فقال لغظف: "ويحك وما خبرها" ؟ فقال: "لقد اجتمعتْ فيها جميع الخصال الحميدة، فقد كانت عنزا متروشة، مِقدامةً غير منفوشة، وكانت نطَّاحة، لا تعرفُ سكونا ولا راحة. تحُكُّ جلدَها على الحائط، وتُـخَرمِزُ رجْلها بالغائط، قد قصُرتْ لحيتُها، واستقامت مشيتُها. وكانت إذا ضحكتْ فإنما تريد "التكْساح"، وإذا بكت فإنما هي دموع التمساح، ولقد طالما تعاملَتْ معي بالغش، وسرقتْ من عندي الحش، فكنتُ أتغاضى عن ذلك، لأسْلُك نحوها المسالك. وكنتُ وإياها نلتقي كل يوم خميس، في الساعة الخامسة الدحميس، فنلعبُ ونمرح، ونُـسرُّ ونفرح، وتُعطِينِي من عيْـنَيْها لمحات، وأعطيها من رائحتي نفحات. وذات يوم أتى ابنُ عمها من البادية وخطبها من أمها، فعظُمتْ ظنوني، وجُنَّ جنوني، وضلَّ مِنوالي، وطاح سروالي. فذهبتُ إلى أبيها واشتكيت، ولطمتُ وجهي وبكيت. فقال أبوها: سأعقد اجتماعا بينكما بحضرتها، وستنشدانني ما قلتما فيها من الشعر، وتختار هي من أعجبها شعره. ثم عُقد الاجتماع، وطُلب من الجمع حسن الاستماع. وبدأ ابن عمها في الإنشاد قائلا:
خـلـيـلـيَ إنَّ قـلبي وَيْكَ حِيزا -- غداةَ تَـربَّـصتْ بي كُـنْـدُليزا
غداةَ ترَبَّـصتْ بي ضاع عقلي -- لـروْعـتهــا فهاجرتُ المعيزا
وأنتِ على يقين من شعوري -- فهاكِ القول مختصرا وجيزا
أريـدُكِ فــي زواج مـعْ جـــــوازٍ -- عـليهِ من رضاكِ اليوم فيزا
فقال أبوها: والله إنك شاعر. ثم قمتُ وأنا أرتجف خشية أن تختاره كندليزا، وقلتُ:
إن للـقــلـب فــرحـةً وارتـيــاحــــا -- إن غـدا طــيـفُ كُندليزا وراحـا
حـيــن تـأتـيـكَ كُـــنـدُلـيزا مـساءً -- ستظنُّ المساء صار صـبـاحـا
في لقاها يغدو السقيم صحيحا -- والـمـآسـي تــغـدو بــه أفراحا
إن قـلــبـــيَ مـــنذ قـــبَّلتُ فـاها -- يومَ مَنَّتْ بوصلها ما استراحا
حينها قامت كندليزا وقالت: لقد اخترتُ الطريف، صاحبَ بحر الخفيف. فطرتُ من الفرحة، وصرتُ أغني و"أُوَلْـوِلْ"، وأركض وأهرول. ثم إني تزوجت بها، وبقيتُ بقربها، ورحلنا بعد ذلك، وسكنَّا إلى جانب عتروس من الدعاة، لا ينظر إلى المعيز، من كثرةِ الذكر والتركيز، حينها اطمأن قلبي، واستراح لبي. ولم نزل زوجين حتى توفيتْ رحمها الله". فقال لغظف: "جزاك الله خيرا يا عتروس، فقد علمتني الكثير من الدروس". وغادر لغظف وهو يحمل إلى أهل الفيسبوك الحلقة 31 من "الفيافِ".
عشتم طويلا...