الخميس، 11 أبريل 2013




مرة أخرى يا شباب و خاصة الباحثين منكم عن "عمل" أعود معكم لذكريات "الكوس" والمحاولات الحثيثة للتمرد على البطالة والحصول على عمل يثبت الذات في هذه الحياة التي كشرت عن انيابها في وجه كل من أخفق او تداعى للسقوط ؛ علكم تجدون في مابين السطور عامل تشجيع على صبر ومقارعة الأيام ...
الى "الدمج " مؤسسة "الكواسة" التي تشرئب اليها الأعناق وترنو اليها العيون ... فقد توطدت علاقتي مع موظف في الدمج " الله يذكرو بخير " ..ربما من شدة اتصالي به وسؤاله عن نتائج فرص تقدمت اليها أو فرص جديدة ... اتصلت بالموظف "الحنون" ذلك اليوم فكانت نبرته تحمل انكسارا وخيبة أمل مع الأسف يقول : لم أر اسمك في فرصة "الكتاب" ؛ ضاعت اذن عدة فرص في أسبوع واحد والله المستعان بدأت بمحو الأمية و انتهت "بالكتاب" وما بينهما فرص اخرى اقل قيمة ..... انقطع الإتصال وكان السبب ليس الشحن قطعا بل المدعو " اكريدي" فجأة رن هاتفي وأنا لا أزال في الصدمة أدقق النظر انه الموظف "الصديق" لأول مرة ارى موظفا يتصل على "كواس" .. ياااااه الدنيا بخير ؛ الووو جاء الصوت دافئا وحنونا : " اللي اتكول مانل يواجعة ما اطلعت " وأضاف كما تعلم الحياة فرص غدا ساتأني فرص كثيرة .... كانت مكالمة في وقتها .. ..دقائق من الصمت و الوقوف على قارعة الطريق بإنتظار أحد " كيران " انواكشوط (عبد الرحمن ) صديق الفقراء ؛ أحشر نفسي مع المحشورين في الداخل طبعا لا مقعد شاغرا ونظرت إلى الأعلي بحثا عن مكان في " احديدة الكار "الموجودة في الأعلى حتى تلك أيضا لم أجد فيها مكانا ؛ أحد أبناء شعبنا ممن من الله عليه بفرصة الجلوس على مقعد أمسك بساقي حتى لا أسقط في الحضيض ...أرجع البصر فإذا بالأيادي تتلقف "احديدة الكار " متشبثة بها كمن يتشبث بالحياة : ايادي سوداء وسمراء وبيضاء لرجال ونساء ؛ كل ألوان الطيف وأبت المعاناة إلا أن تضرب كل الشرائح والأعراق والأجناس في أمتنا ؛ تتحرك تلك الخردة البالية المسماة بالكار بأوامر مباشرة من "أنكاسير" الذي "يكر" على مسامعنا "انحاسة" عشرين بقوة وعنجهية وبلا مبالاة ولسان حاله يقول لقد نفد صبري عليكم يا "حثالة البشر" ؛ أصوات هناك وهناك وأحاديث منها الموغل في السلبية ومنها بلا معنى ...وفجأة يأتي الصوت من الأمام من رجل يجلس قرب السائق يطل ملتفتا "الخلطة عسكم من الإختلاط " "عسو اعل آخرتكم "؛ يتردد في نفسي كلام لا يخرج للعلن مفاده " اطمئن يا أخ أبشرك أصالة عن نفسي ونيابة عن الشعب "المكدس" عن يميني وشمالي أن الوضع عندنا أصعب مما تتخيل ؛ وتسير القافلة والعيون تتطلع لوقت الخلاص
ومع ذلك كان "الكار" تلك اللحظات هو ملاذنا ووطننا وحضننا الدافئ وكان "آنكاسير" أخانا الأكبر يؤنبنا لمصلحتنا ..
... غريب كيف تتقزم الحياة وتقسو حتى تنسينا فرصة عمل وتجبرنا على البحث عن فرصة من نوع آخر مجرد مقعد في "كار" متهاوي يسير في شوارع انواكشوط و وحتى تلك أيضا نخفق في الحصول عليها فتتحول الى البحث عن مكان قبضة يد في "احديدة " الكار في الأعلى للمحافظة على هامش توازن حتى لا تدوسنا الأرجل ؛ شعور قاسي في لحظات مريرة تتساءل 17 سنة على مقاعد تحصيل العلم وها أنت محاصر خائر القوى تتوسل النجاة ؛ يتجمد المستقبل وينشطر الماضي وينتحب الحاضر على أسوار حافلة متهالكة بين جدرانها الأربعة أكوام من البشر على اختلاف ألوانهم وألسنتهم محدقون في المجهول ؛ احلامهم معلقة ؛ كل في شان يغنيه ... ومع ذلك ومن الله كان الإنهيار بالنسبة لي خطا أحمر لا مجال لليأٍس و لم أتنازل قيد أنملة عن الإبتسامة والضحك رغم قوة الضغط والشعور بالتلاشي والخذلان والإحساس أني أعيش أكثر لحظات الكوس الرهيب هشاشة وتفاهة
أعود من تفكيري للواقع فكلما لاحت فرصة مقعد شاغر كانت امرة أو شيخ مسن تتوسل بعينيها أو يتوسل بعد وقوف طويل فتتنازل رغم الإنهاك ...حتى العمود المقدس في الأعلى او "احديدة الإنقاذ "الصدئة كلما لاحت فرصة "سانتيمترات" لم تشغلها قبضة يد بشر إذا بيد ترتعش تائهة محاولة امساكها ؛ فتخجل وتفسح المجال لتلك الأنامل المنهكة تقبض ما استطاعت ....قرابة نصف ساعة وانت مقوس الظهر مكتوم الأنفاس ؛ تائه النظرات ؛ غصبا عنك يمر امامك البشر أقرب اليك من حبل الوريد وبمجرد أن تصل تنفض عنك الغبار وتعود في يوم آخر جديد محملا بالأمل والقوة ... والضربة التي لا تقتلني تقويني
الكوس يحتاج لطول نفس عدوه الوحيد هو الإستسلام أو الإنهيار ...
كل ذلك سيتحول الى ذكريات ... الكفاح يعطي للحياة معنى ويكشف مكامن العزيمة في الرجال
أخي الكواس أختي الكواسة ... لا مجال للإستسلام

ليست هناك تعليقات :