الأحد، 20 أكتوبر 2013

سيدي أحمد ولد ابنيجاره


سيدي أحمد ولد ابنيجاره

بين لعصابه والحوض الغربي و تكانت تقوم منطقة " أفله " فى مثلث خصيب يزاوج بين الهضاب والسهول والقيعان وبين التربة الخصبة والصخورالمتلألئة تلك المنطقة التى اطّبت الشاعر الجماني وسحرته وكادت لتنسيه أهله لولا تذكره ملاعب الصبا بالحوض :
عاكبْ تسدار فافلَّ =شوَّفْنِ يالحي المتينْ
لإعْوينتْ عَنْزْ ءُ وبَرَلَّ =واغليِّكَْ تَنقلْ لحراطينْ 
وبين كيفه والطينطان و الملگه، وأغورط و لگران و وتامورت بوكَاري و اكَليب راص الفيل و بو اكعاره إلى بلّوار وأفام لخذيرات والزرافية الفوكاية والتحتانية و بين لعيون والطينطان القابعة فى الوادي الكبيرالمحيط بها و حاسي عبدالله وأقرقار وعين فرب واعوينات التل و أطويل و لحريجات والدفعه وادويراره لمژينژره .
بين هذه المناطق تتنقلت قبائل أهل سيد محمود : ادولحاج و تغده و السواكر و سارة و لعيايطه و ازبيراتْ .. مع قبائل لقلال وتنواجيو وإيديبسات ، فى إقتصاد قائم على التنمية الحيوانية والتجارة والزراعة والرعي .
رجل آخر غير الجماني اطبته تلك المنطقة وسحرته فألقى بها عصى التسيار ذات هوى هو محمد السالك ولد ابنيجاره رجل من قبيلة " الرعيان" تعود أصوله إلى قبيلة أولاد دليم ، قدم محمد السالك من ظهر تكانت فى منتصف أربعينيات القرن الماضي واستقر به النوى بالزرافية الفوكَانية حيث مضارب الحي من السواكرمن أهل سيد محمود وتزوج بامرأة من أهل الحسن ولد مولود من فرع لعيايطه من السواكر تدعى " زيناته " رزق منها مستهل سنة 1947 م بولد أسماه باسم أبيه وهو الإسم الأكثر انتشار فى قبيلة الرعيان " سيد أحمد " ترعرع الولد بن أحياء السواكر وأصيب حدثا بشلل الأطفال الذى أقعده فاضطر أبوه لأخذه إلى أرض أبناء عمومته فى تكانت وهو ابن أربع وتقول الميتولوجيا الشعبية إن أباه طرحه عند ضريح العلامة سيدعبد الله ولد الحاج ابراهييم فى " القبة " ولما هم بالانصراف جرى الطفل وراءه فشفي من الشلل بعرج قليل .
تنقل الطفل سيد أحمد بين لخشب وفرع الظوْ وبااميْرَه " الحركَفه " وتجكجه وتيشيت حيث مضارب الرعيان ونجوعهم وفى سن العاشرة قدم به أبوه إلى تجكجه ليدخله المدرسة بعدما تعلم فك الحرف العربي و " استروَى " سورا من القرءان درس سيد أحمد الإبتدائية فى تجكجة والإعدادية فى سهل الصطارة – روصو و تعليمه الثانوي بالثانوية الوطنية في نواكشوط متسكعا بين حي لكصر والمدائن وابلوكات ..
لقي فى انواكشوط المروحوم أحمد ولد الزين والمرحوم المصطفى ولد اخليفة وهما من منطقة في تجكجه فتعرف من خلالهم على الرائد جدو ولد السالك رحمه الله وممد ولد أحمد و محمد يحظيه ولد ابريد الليل وعبد القادر ولد أحمد رحمه الله وعبد الرحمن ولد بوبو ومحمد المختار ولد الزامل كان العالم يغلي و يمور بحركات التحرروالنضال والكفاح المسلح والمواجهة مع المستعمر والشعارات والإستقلال التام وتقرير المصير فى ذلك الجومن الرفض والممانعة ظهرت حركة الكادحين وظل صاحبنا متفرجا حيا وشاهدا على تلك الأحداث التى ربما لم تكن تعني له الكثير .
بعد الحصول على شهادة الباكلوريا عام 1965 تلقي سيد أحمد تكوينا لمدة سنتين في معهد مونيتور" moniteur " التابع لرابطة دول " cao " في ابدجان بساحل العاج ثم عاد للمنتبذ القصي ليعمل موظفا بفرع " البنك الفرنسي الإفريقي " فى انواكشوط
فى سنة 1970 منح إلى الجزائر بوساطة من وزير التعليم آنذاك محمذن ولد باباه لدراسة الإقتصاد وفى سنة 1973 تم إلحاقة بالمجموعة : أحمد ولد داداه ، وأحمد ولد الزين وجانغ بوبو فاربا، والمصطفى ولد الشيخ محمدو والمصطفى ولد اخليفة المبعوثين للتدريب في البنك الوطني الجزائري من أجل إنشاء العملة الوطنية الأوقية ووضع اللبنات الأولى لقيام البنك المركزي الموريتاني وحن قفولهم للمنتبذ القصي عمل سيد أحمد فى البنك المركزي فى قطاع المحاسبة العامة و العملة ، كان نشطا استطاع بسعيه الدؤوب بين المسؤولين أن يصل إلى منصب المحافظ المساعد للبنك المركزي سنة 1975 خلفا للمصطفى ولد الشيخ محمدو الذى عين وزيرا للإعلام ، وفى سنة 1978 عين محافظا عاما للبنك المركزي خلفا لأحمد ولد داداه الذى عين وزرا للمالية .
أثقلت حرب الصحراء كاهل اقتصاد الوطن وتمللمل العسكر الطامحون للدعة والإستقرار فبدؤوا التفكير فى الحل ولا حل إلا فى قلب نظام الحكم ولإضفاء شرعية أكثر على انقلابهم المصطفى ولد محمد السالك، جدو ولد السالك، أحمدو ولد عبد الله و محمد خونه ولد ولد هيدالة كان لابد من البحث عن جناح مدني وبتعبير الكاتب الكبير المرحوم حبيب ولد محفوظ : كأن الإنقلاب طائر لابد له من جناحين ليتمكن من الطيران جناح عسكري من " اصنادره " وجناح مدني من " سيويلْ التحريف العامي لكلمة " Civile" ، كان الرائد جدو ولد السالك صديقا حميما لولد ابنيجاره وكان يعتبره " عيبة سره " فقد كان يسكن معه وتوسط لعلاجه فى فرنسا أخبره قبل أقل من أسبوعين بنية العسكر فى قلب النظام متمثلا فى الضباط وأن جناحا مدنيا يساندهم يضم شيخنا ولد محمد لغظف و محمد يحظيه ولد ابريد الليل وأحمد ولد الوافى ودعاه جدو للإنضمام للجناح المدني قبل سيد أحمد واجتمع به جدو مع اسماعيل ولد أعمر المدير العام لشركة " اسنيم " المنضم قبل أقل من أسبوعين للجناح ، ضمن ولد ابنيجاره نصيبه من الكعكعة فى حال نجاح الإنقلاب لكنه طرح فرضية قائمة وهي فشل الإنقلاب فكان لابد من التصرف ووجد الحل ذهب لصديقه القديم المرحوم أحمد ولد الزين فأطلعه على ما يدور وأبلغه بضرورة إبلاغ المختار ولد داداه بالموضوع الخطير وأنه مصدر المعلومات وجد أحمد ولد الزين نفسه محرجا وليس أمامه إلا إبلاغ رئيسه بأمرعلى درجة كبيرة من الخطورة يقول المختار ولد داداه فى مذكراته :
" .. وخلال اجتماع المكتب السياسي الوطني المنعقد يوم السبت 8 من يوليو 1978 أطلعنى أحمد ولد الزين ، عضو تلك الهيئة، على فحوى حديث دار بينه وبين سيدى أحمد ولد ابنيجاره عشية اليوم السابق مؤداه أن انقلابا وشيكا قد تم الإعداد له بتمالؤ من كافة مسؤولى الجيش وقوات الأمن بما فى ذلك قائد الأركان الوطنية وقواد المناطق العسكرية وقائدا الدرك والحرس الوطني. وقد أحلت أحمد ولد الزين على وزير الدفاع الوطني محمذن ولد باباه الحاضر بدوره اجتماع المكتب السياسي الوطني بحكم عضويته فيه. ولم أشعر أي أحد سواه بالخبر بما فى ذلك وزير الداخلية ممادو ساغو .. "
عضو آخر فى الجناح المدني هو أحمد ولد الوافي أبلغ جهاز مخابرات يعمل لصالحه بمايدور ، يقول المختار ولد داداه فى مذكراته :
.." أطلعنى الملك الحسن الثاني أثناء لقائى به فى مراكش خلال شهر نوفمبر أو ديسمبر 1977، على معلومات وردت إليه تفيد بأن انقلابا يتم الإعداد له بالجمهورية الإسلامية الموريتانية. وقد ذكر مضيفى أن مصدر تلك المعلومات هو شاب موريتاني يدعى ولد الوافي الذى قدَّم فى البداية أخبارًا سرية إلى الأستاذ بوعبيد مفادها أن الجيش الموريتاني يعد انقلابا للإطاحة بي. ثم أدلى ولد الوافي نفسه بمعلومات مماثلة إلى أحد أعضاء الديوان الملكي قام بتسجيلها. وقد اقترح الملك أن يمدنى بنسخة من التسجيل الصوتي. ولكنى رغبت بلباقة عن هذا العرض نظرا إلى أننى لا أودّ أن يتدخل أجنبي فى شؤوننا الداخلية ولو كان صديقا وحليفا مرموقا. فهل كنت على حق؟ الله أعلم .. "
اثنان من " عيبة سر " 10 يوليو رحم الله خزاعة
المهم أن ولد ابنيجاره ضمن نفسه إن نجح الإنقلاب فهو عضو فى جناحه المدني وإن فشل فقد أخبر عنه الرئيس قبل وقوعه .
نجح انقلاب 10 يوليو 1978 واعتلى ولد ابنيجارة المنصة مشيدا بانجازات العسكر وانقاذ البلاد والإقتصاد لاعنا الحكم البائد والنظام المخلوع الذى وصل بالبلاد لحافة الهاوية ، عَين جدو ولد السالك صديقه ولد ابنيجاره وزيرا للمالية والتجارة فى ما يشبه ظهر الشور : وزير المالية والتجارة سيد أحمد ولد ابنيجاره كما عين محمد يحظيه ولد ابريد الليل من الجناح المدني وزيرا للإعلام
شغل جدو ولد السالك منصب وزير الداخلية وكان رجل الإنقلاب القوي إلا أنه اختلف مع رفاقه وسرعان ما تمت إقالته من الحكومة يوم 21 مارس 1979 صحبة زميليه سيد أحمد ولد ابنيجاره ومحمد يحظيه ولد ابريد الليل .
واستمرالتجاذب بين أعضاء اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني وفى يوم السادس من أبريل 1979 قاد المقدم أحمد ولد بوسيف انقلابا غير بموجبه إسم اللجنة العسكرية وأصبح الوزير الأول والرجل القوي في النظام وتم إقصاء ولد السالك الذي لم يمض في الرئاسة إلا زهاء 10 أشهر ليحتفظ برئاسة شكلية ولم يكد المقدم ولد بوسيف يتم خمسين يوما في الحكم حتى عاجله الموت بعد سقوط طائرته في ظروف غامضة على الشواطئ السنغالية قرب داكار ، وتصدر المقدم محمد خونا ولد هيدالة الواجهة ليصبح الوزير الأول وليبعد ولد محمد
السالك نهائيا عن رئاسة اللجنة العسكرية يوم 31 مايو 1979، جاعلا مكانه المقدم محمد محمود ولد أحمد لولي رئيسا للجنة ومحتفظا لنفسه برئاسة الوزراء ودعم العقيد خونه ولد هيدالة مركزه و أصبح رئيسا للدولة بعد أن قضى على العقيدين محمد محمود ولد أحمد لولي رئيس الجمهورية و أحمد سالم ولد سيدي نائب رئيس المجلس العسكري في 4 ديسمبر 1980 وقد أخرجهما نهائيا من دوائر القرار كما أقال عشرات الضباط المحسوبين عليهما ومكنّ للموالين له.
شكل شيخنا ولد محمد لغظف هيئة للدفاع عن انجازات العاشر من يوليو وقد ترأسها وكان نائبا له في رئاستها سيداحمد ولد ابنيجاروضمت كلا من حمود ولد أحمدو وأحمد ولد الزين ... وءاخرين، واتصلت حينها بولد هيدالة لتبلغه بتشكيل اللجنة وقد عبر حينها عن استعداده الكامل لاستقبال اللجنة في أي لحظة وهو ما تم بالفعل إذ إلتقى شيخنا رفقة ولد ابنيجاره بهيدالة وعرض عليه شيخنا أهداف اللجنة وأحال الكلمة إلى نائبه سيدأحمد الذي بدأ بالتحدث قبل أن يخاطب الرئيس قائلا "عليكم كعسكريين إذا أردتم تحقيق أي شيء مهم أن تتخذو منا نحن المدنيين وسيلة إلى ذلك " إستردمُوفينا " وهي العبارة التي استشاط منها ولد هيدالة غضبا وانفجر ينتقد ولد ابنيجارة قائلا :" من أنتم حتى نتخذ كم وسيلة.. لقد أسندنا إليك أنت شخصيا مسؤوليات جمة وفشلت فيها وبدأ يعدد المناصب التي كان يشغلها ولد ابنيجارة.. تصبب ولد ابنيجاره عرقا ولم ينبس ببنت شفة
بعد ذلك عينه هيداله واليا لولاية انواذيبو فاخترع خطة مخابراتية هي خلايا عمل التطوع اخترق من خلالها الأحزاب السياسية خاصة حزب البعث .
كان هيداله قد بدأ يشعر بحلاوة السلطة وعذوبة أن يكون الجميع رهن بنانه أحس ولد هيدالة بتلك النداءات الخفية التي يرسلها كرسي الحكم للجالس عليه بأنه الوحيد المخول للحكم وبأنه منة من الله أرسلها لهذا الشعب المسكين لإنقاذه تماما كحال الجنرال عزيز الآن ، بدأ ولد هيدالة بخلق هوة بينه وبين المحيطين به في القصر وهذا وتر بدأ ولد أبنيجارة بالعزف عليه ، ولد أبنيجارة يتميز بنزعة ميكيافيلية خالصة حيث يعتقد أن احترام السلطات يقتضي منها التعالي على الشعب وهو اعتقاد مناف للقيم الديمقراطية لكن هيداله استمرأه
ساءت فى عهد هيداله العلاقات مع المغرب خصوصا اثر التوقيع على اتفاقية السلام بين موريتانيا وممثلي جبهة البوليساريو الصحراوية في 5 أغسطس 1979 في الجزائر والتي تتضمن بندا سريّا ينص على تسليم الصحراويين منطقة تريس الغربية خلال ستة أشهر وبسبب ذلك اتهمّت المغرب موريتانيا بالخيانة العظمى وقبل انقضاء هذه الشهور الستة احتلّت القوات المغربية النظامية هذه المنطقة عندما انسحبت منها القوات الموريتانية تمهيدا لتسليمها لجبهة البوليساريو. وقد تأزّمت العلاقات الموريتانية –المغربية ، أدت هذه الضغوط الخارجية بالإضافة إلى هشاشة الوضع الداخلي إلى زعزعة الانسجام داخل اللجنة العسكرية وبدأت التصفيات الداخلية تظهر من جديد ، كان التجاذب بين أجنحة العسكر يتزعمه طرفان بارزان أولهما كان يمثله بعض كبار الضبّاط والعسكريين ويرى أحقيّة المغرب في أراضي الصحراء الغربية ويمثله أحمد ولد ابّ ولد عبد القادر " كادير" والجناح الثاني يؤيد دولة الصحراء الغربيّة ومطالب جبهة البوليساريو، و يمثل هذا الجناح المقدّم ملاي ولد بوخريص الذي كان وزيرا للداخليّة والذى منعه المرحوم والمظلي الشهير المقدم سيد محمد ولد الصبار قائد المنطقة بالشمال من ارسال قافلة محملة بالمؤن والسلاح إلى البوليساريو بل يشاع أن أن ولد الصبار صفع ولد بوخريص بعد مشادات كلامية.
كان هيداله يُسيّر قوافل المواد الغذائية والسكر والشاي الأخضر والسلاح بانتظام بين موريتانيا ومخيمات تيندوف وحين سئل المختار ولد داداه عن ولد هيداله قال : إنه رجل فذ لقد مكثتُ فى الحكم 18 سنة عجزت خلالها عن بناء دولة واحدة وهو فى سنة قام ببناء دولتين .
في 9مارس 1980 وجه ولد هيدالة نداء إلى كل من المغرب وجبهة البوليساريو يناشدهما فيه تفهمّ موقف بلاده الحرج والأزمة السياسية التي تمر بها موريتانيا، وبعد هذا النداء أجرى هيدالة سلسلة واسعة من التغييرات في أعلى المناصب والمستويات في صفوف الدرك الوطني والحرس الوطني والمخابرات العامة والأمن العام وعينّ معاوية ولد الطايع رئيسا للأركان والمقدّم الشيخ سيد أحمد بابا مين وزيرا للداخليّة.
بعد أشهر فقط من هذه التغييرات وفى 22مايو 1980 تأسسّت في موريتانيا و باريس الحركة التغييرية " التحالف من أجل موريتانيا ديموقراطية " وكذلك في عدّة عواصم افريقية وعينّ محمد ولد الشيخ ولد جدو سفير موريتانيا الأسبق فى السعودية منسقّا لها ، وقد أسست التنظيم شخصيات سياسية مهمة مثل محمد عبد الرحمن ولد امّينْ والمصطفى ولد اعبيد الرحمن والتجاني ولد كريم ومالوكيف ولد الحسن ومحمد الحسن ولد لبات والمفيد ولد الحسن والداه ولد عبد الجليل ورجل الأعمال الكبير حابه ولد محمد فال وبسبب هذه الظروف السياسية سارع ولد هيدالة في محاولة لقطع الطريق عن خصومه السياسيين إلى عقد اجتماع طارئ للمجلس العسكري في 11 ديسمبر 1980 وأعلن في الاجتماع عن إقامة حكومة مدنية برئاسة سيد أحمد ولد ابنيجاره رئيسا للوزراء فى 12/12/1980 تعيين ولد ابنيجارة لم يلق استحسانا كبيرا في الجناح المدني لحركة العاشر من يوليو لما يعرفون عنه من انتهازيية ، لم تضم الحكومة المدنية الجديدة سوى عسكري واحد هو وزير الدفاع الذي كان مرتبطا بشكل مباشر برئيس الدولة ولد هيدالة.
وفي 19/12/1980 تمّ الإعلان عن مشروع دستور جديد سيطرح للاستفتاء الشعبي ونصّ هذا الدستور على انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام المباشر ولمدّة 6 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، وانتخاب جمعية وطنية لمدة 4 سنوات وقد قام ولد ابنيجاره بصياغة دستوره .
وقد وصف دستور ولد ابنيجاره بأنه هو أول دستور علماني للبلاد ومن أخطر مافيه أنه " يبيح حرية الإعتقاد " مما أثار الإمام بداه ولد البصيري فخرج لأول مرة فى حياته يقود مظاهرة سياسية واعتلى المنبر وقال :
.. دين بلا سياسة لايستقيم و سياسة بلا دين عارالدنيا وعذاب الجحيم . فاضطرت السلطات إلى التراجع عن ذلك الدستور بعد الضغط المكثف الذي قاده ولد البوصيري رحمه الله .
رأت حركة "AMD " فى حكومة ولد ابنيجاره المدنية ذرا للرماد فى العيون ومحاولة من العسكر للبقا فى الحكم بثوب مدني صوري ، وابان ذلك التجاذب زار هيداله الكويت واستقبله السفير محمد عبد الرحمن ولد امّين وحين غادر هيداله أرسل معه ولد امين زوجته الزهرة والأبناء إلى انواكشوط والتحق ول امين بولد اعبيد الرحمن فى باريس
التحق بالحركة العقيد محمد ولد اباه ولد عبد القادر وزيرالتعيم العالي القائد العام السابق لسلاح الطيران الذى لجأ إلى المغرب 17 يونيو 1979 والعقيد أحمد سالم ولد سيدي النائب الأول لرئيس المجلس العسكري للإنقاذ الوطني الذى التحق بكادير فى المغرب بعد الخلاف مع هيداله ليشكلا الجناح العسكري للحركة وكان هدف تحالف " A M D " حسب ما صرحّ به القيمون على الحركة هو الإطاحة : بالنظام الانقلابي الذي تأسسّ في 10 يوليو 1978 وإرجاع الحكم للمدنيين ووضع حدّ لسلسلة الانقلابات التي توالت على البلاد بشكل مذهل، وإقامة نظام سياسي برلماني في ظل التعددية السياسية والحزبية وتحرير الاقتصاد ، وقد حظيت بمباركة من الرئيس المختار ولد داداه .
أصدرهيداله مذكرات اعتقال بحق زعماء حركة" التحالف من أجل موريتانيا ديموقراطية " " AMD " وقام باعتقال زعماءها فى الداخل فتم ارسال التجاني ول كريم ومحمدن ولد الشدو إلى ولاته ثم تيشيت ثم باسكنو " تلمسي " :
من عجيب العجيب أن تلمسي =تصبح اليوم ذات شأن بنفسي
ها أنا اليوم في تلمسي أسير =أي عهد بيني وبين تلمسي
بدأت موريتانيا تدشن مرحلة من الصراع الكلامي مع المغرب ، وعلى إثر ذلك أصدر مجلس الوزراء بيانا بتاريخ 12 مارس 1981 جاء على النحوالتالي : "اجتمع الوزراء في الثاني عشرمارس 1981 برئاسة السيد سيدأحمد ولد إبنيجارة الوزير الأول ورئيس الحكومة و قدم الوزير الأول رئيس الحكومة إلى المجلس عرضا عن الوضع الناجم عن حملة الافتراءات الموجهة لبلادنا منذ عدة أيام من طرف الصحافة الناطقة باسم المملكة المغربية ونوايا الملك الحسن الثاني الأكيدة من شن عدوان ضد موريتانيا ...
إن الحكومة لتحذر المغرب من مغبة كل مغامرة طائشة سيتحمل وحده تبعاتها ولن تؤدي إلا إلى إشعال النارفي جميع أرجاء المنطقة وستكون نتائجها خطيرة بالنسبة للمغرب العربي وإفريقيا والسلام العالمي... إننا مهما كانت الظروف سنظل مصممين عن الدفاع عن حوزتنا الترابية وسيادتنا بجميع الوسائل .
ويوم 16 مارس 1981 وقعت محاولة انقلاب قادها كوماندوز بقيادة العقيد أحمد سالم ولد سيدي والعقيد محمد ولد ابّ ولد عبد القادر بعد ساعات قليلة من فشل انقلاب 16 مارس ألقى رئيس الوزراء ولد ابنيجاره خطابا قال فيه : ".. أيها الموريتانيون أيتها الموريتانيات أيهاالشعب الموريتاني، حاول الإرهابيان أحمد سالم ولد سيدي وعبد القادر القيام بعملية مسلحة بأوامر من أسيادهم المغاربة وقد شكلا كوماندوزا إنتحاريا للإستلاء على السلطة والاطاحة بنظامنا ولقد هاجم الكوماندوز رئاسة الحكومة ورئاسة الدولة حيث قتل ضحايا أبرياء.... ونشير إلى أن حركة المرور ستبقى معطلة إلى أن يبدأ حذر التجول إبتداء من الساعة السادسة بعد ظهر اليوم .. . إن اللجنة العسكرية للخلاص الوطني تسيطر سيطرة مطلقة على الأوضاع في عموم بلادنا ..إن شعبنا سينتصر".
أصرّ ولد ابنيجاره على إعدم أحمد سالم وكادير وانيانغ وسك و حسب شهادة الكثيرين ومنهم هيداله نفسه ظل ولد ابنيجاره فى مساع حثيثة حتى تم إعدامهم .
تم التحفظ على الأمير احبيب ولد أحمد سالم أمير اترارزه فى قرية " لبيرد " وامتلأت قرية تكند بالجنود والمدرعات والجواسيس ، وتم ارسال التجاني ولد كريم إلى المذرذره مع المفيد ولد الحسن رهن إقامة جبرية صارمة وأوقف محمدن ولد الشدو بسجن لكصر وفيه كتب قصيدة رثائية لأحمد سالم ولد سيدي ورفاقه بعنوان " هان الكلام " أهداها للأميرة " مانه منت احبيب "
حكم على محمد عبد الرحمن ولد امين المصطفى ولد اعبيد الرحمن ورجل الأعمال حابه ولد محمد فال بالإعدام غيابيا
صودرت أموال حابه المنقولة والثابتة ونهبت مخازنه وقسمت عقاراته ، أعطي منزل فاخر له فى لكصر قرب " المدرسة رقم 2 " لوكيل الشرطة القطب ولد سيداتي الذى رقي لرتبة مفوض بعد أحداث 16 مارس التى أقعدته .
تصاعد الغليان واستمرت الإضطرابات وتضعضع الاستقرار السياسي واحتدمت الصراعات الحادة داخل دوائر صنع القرار وانهار الاقتصاد بشكل شبه كامل رغم الثروات الهائلة في المنتبذ القصي وتنامى الصراع بين البيضان والسودان مؤديا إلى أزمة هوية حقيقية ، وعمت الإضرابات جميع ولايات الوطن ، فى لعصابه استأسد الوالي ولقب "حجاج كيفه " سب شيوخ " كَرو " وبلغ به الأمر أن سجن محمد الراظي وهو من هو منعة فى قومه وفى كيفه ، صفعت امّاتي بنت محمد الراظي الوالي لتجرؤه على سجن والدها محمد الراظي - " لقد لطمته ذات سوار " وكان المفوض " اسويلك ولد دفناش" ذراع الطالب اخيار الأيمن فى كيفه .
نشطت المخابرات وجند الجميع للتجسس حتى النساء فقد جلب نسوة المعارض المفيد ولد بوبكر سيرة من السنغال بعدما خدرنه ذات شاي منعنع فى دكار ليستفيق وهو بن يدي أحمدو ولد امّيْشينْ بإدارة الأمن بانواكشوط وكان المفيد يخطط لقتل هيدالة أثناء زيارة الأخير للمذرذرة فتمت الوشاية به فهرب إلى السنغال .
لقد كرس ولد ابنيجاره هيداله دكتاتورا وأقنعنه بكثر من أساليب الدكتاتورية وكأنما نفث كتاب الأمير لمكيافيلي فى روعه ، ومن المفارقات أن هيداله كان يطبق سياسة التقشف وحدثني رجل من أهل "انتوفكت "من الحلة أثق به قال مررت على رئيس الوزارء ولد ابنيجاره ذات استجمام عند أضاة " كندلكْ " عام الرمادة - وهو عام يطلق على سنة وزارته لشدة القحط والخوف - قال الرجل فوجدت الذبائح والنساء وبنيت الشارة وتنادى القوم للرماية فأخرجت "كراتين " كثييرة من قناني الغاز الصغيير وبنيت كأهداف وكلما أصيبت قنينة طارت فى الهوا وتظل طائرة حتى نفاد الغاز وسط ضحك الرجال وتصايح النساء ، منظر من البذخ مخيف فى سنيّ يوسف .
لم تَطل يد هيداله اليسار فقط بل طالت القومييين مات فاضل أمين أوقتل بداكار فى ظروف غامضة ، عذب الصحفي عبد الله ولد محمدو ولوى زبانية هيداله عنقه وعذب الدده محمد الأمين السالك وكاد أحمدو ولد ميح أن يموت فرَقا لولا شفاعة الإمام بداه له عند هيداله بعدما قاسمهما أنه ليعود فى ملة البعث أبدا ، قبض على قائد تنظيم " المثنى "الجناح العسكري لحزب البعث بالمنتبذ القصي السيد "يمهلو" سأله المفوض إدومُ " كارلوس " عن أسلحة التنظيم قال يمهلو لاعلم لي بأي سلاح أمر كارلوس بإعداد " الجاكوار " لأخذ يمهلو فى رحلة لعله يعترف ،و الجاكوار هو تقييد يدي المتهم ورجليه مع بعضهم البعض حتى يكون كالجالس محتبيا ثم يربط بحبل ويجبد على منجنون إلى الأعلى ثم توقد تحته " مجمرة " ويدلى ببطء وكلما تدلى أحس بحر النار تلفح ظهره حتى يعترف مكرها للتخلص من نار يأكل حرها فقرات ظهره ظل " يمهلو" صامدا ثار كارلوس وأرخى الحبل فهوى ظهر يمهلو إلى النار الموقدة يروي المحامي يرب ولد محمد صالح عن الخليل أنحوي قوله : سمعنا ونحن بقبو قريب صرخة عظيمة مدوية وتناهت إلينا رائحة الشوا ء ، كانت حروقه من الدرجة الرابعة فنقلوه بسرعة إلى المستشفى رفض الفرنسي المختص معالجته حتى يعرف السبب فأضطروا لإخباره فبعث بتقرير لمنظمة العفو الدولية فوصلت ممثلتها إلى انواكشوط لمناقشة ما أصبح يعرف فى أروقة المنظمة ب " يمهلو cause ".
سجن الناصريون الكوري ولد احميتِ والقيادات و فى مدينة أطار ضرب رجل أمن شابا متظاهرا بنعله العسكرية فخرجت كليته ومات فرموا لأمه جثته الهامدة.
كان هيدالة يقول لزبانيته : اتتبعوا أقصى درجات التحقيق حتى يقر المجرمون فلا تسل عن الكهرباء ولحرور وخلع الأظافر وإطفاء ميكوات وجكوار
تحول البلد إلى سجن كبير وعم الخوف وصار الواحد خاف حتى من ظله سنوات يسمها الأديب أحمدُ سالم ولد الداهي ب " اتغظغيظْ اركَادْ " يقول الخليل أنحوي :
أمُتهمٌ من دبّ لا من جريرة و مضطهد , لم يات سوءا و ما اعتدى
وباكية العينين شاكية الحشى يؤرقها ألاّ مجيب سوى الصدى
جراح و أنات هنا وهناك لا تغادر كثبان البلاد و لا الكدى
تبث الجوى و الرعب في كل خيمة وقد وسعت شعبا مهيضا مسهدا
تضيق به سوح البلاد رحيبة فيسعى طريدا حيث كان مشردا

وفي 24 أبريل 1981 اقال هيداله رئيس الوزراءء ولد ابنيجارة وأحلّ محلّه رئيس هيئة الأركان معاوية ولد الطايع
فى فبراير 1982 اتهم الرئيس السابق المصطفى ولد محمد السالك و سيدي أحمد ولد ابنيجاره وبحام ولد محمد الأغظف بالتدبير لمحاولة انقلابية ضد الرئيس ولد هيداله ، هيداله لا يعرف انصاف الحلول أرسل من يجلب ولد ابنيجاره الذى اختبأ فى إبله فى بادية تيرس أمر هيداله بوضع ولد ابنيجارة فى كيس وربط الكيس جيدا و وضعه فى مؤخرة شاحنة تحمله إلى انواكشوط ومنه إلى إجريده وعند وصوله إليها وضع فى غيابات جب بسعة متر فى نصف متر مكث فيه إلى حين يأكل فيه وينام ويقضي حاجته وبعد ذلك إلى بير أم اكَرين .
نسي الناس ولد ابنيجاره ظنه الكثيرون مات حتى قدم يوم 10 يوليو 1993 يحمل مهام وسيط الجمهورية على قدم وساق .
واليوم عاد كأن شئا لم يكن وبراة الأطفال فى عينه
وفى غفلة من الزمن دلف ولد ابنيجاره ليضحك على شعب ذاكرته كذاكرة الأسماك وليحاول تزوير التاريخ ويعلن فى استخفاف بالقارئ والتفاف على الحقائق أنه صانع الأحداث فى المنتبذ القصي وأنه مامن نعمة أصابت المنتبذ إلا بسببه وأنه وأنه ، وعدّد ولد ابنيجاره كثيرا من أمجاده لأمجاد .
إن للبلد كاتب منتظر سيكتب تاريخه بكل دقة ولو بعد حين وفى انتظار المنتظر لا نملك إلا تحفيز الذاكرة لتبقى حية

كامل الود

ليست هناك تعليقات :