Lmrabet Hmeda
الكتابة تحت اسماء مستعارة ليست ظاهرة جديدة او مستغربة فقد عرفت عالميا و عبر التاريخ بانماط متعددة و دوافع و دواعٍ ووظائف متباينة لعل ابرزها الحاجة الي الالتفاف حول اشكال الرقابة السياسية و المجتمعية والدينية والاخلاقية و الادارية في احيان كثيرة، و التمايز و توكيد الذات في احيان اخري. و في هذا المعني الاخير كشف الفيلسوف و الصحافي الفرنسي فرانسوا ماري أرويه، احد رموز حركة التنوير في القرن الثامن عشر، انه اتخذ لنفسه الاسم الشهير المستعار " فولتير " حرصا منه علي ان يبرهن لنفسه و للناس انه لا يدين لوالده بشئ! و المعروف ان الروائي الانجليزي الشهير جورج اليوت كان في واقع الامر امرأة اسمها الحقيقي ماري آن ايفانس. كما ان الاديبة الفرنسية الاشهر جورج صاند لم تكن سوي البارونة دوديفاند. وفي العصر الفكتوري نشرت شارلوت برونتي روايتها العالمية " جين اير "مذيلا بالاسم الرجالي " كور بيل "، و تردد ان الكاتب و السياسي الامريكي الشهير بنجامين فرانكلين قد استخدم في كتاباته ما يقارب المائة من الاسماء المستعارة! و قد غلب الاسم المستعار ( موليير) علي المؤلف الكوميدي الاشهر جين بابتسي بوجدن. و بين العرب اختار امير الرحالة المسلمين محمد عبدالله الطنجي لنفسه الاسم المستعار " ابن بطوطة "، و قد عرّفنا التراث العربي علي اعداد غفيرة من "المبدعين" الذين اتخذوا لانفسهم اسماء بديلة مثل ديك الجن و صريع الغواني و الجاحظ و الفرزدق و جرير و تأبط شرا. و في العصر الحديث استتر العديد من مشاهير الادب و الفن و السياسة خلف اسماء قلمية، فقد كتبت ملك حفني ناصف رائدة الاصلاح الاجتماعي في العالم العربي خلال العشرينات تحت توقيع (باحثة البادية)، و هناك ماري زيادة التي اتخذت لنفسها الاسماء القلمية (كنار) و (ماريا) و (مي). و هناك ايضا الاخطل الصغير (بشارة الخوري) و ادونيس (علي احمد سعيد) و بدوي الجبل ( سليمان الاحمر) و ابو سلمي (عبدالكريم الكرمي) و فارس فارس (غسان كنفاني) و مهدي عامل (حسن حمدان)...و في بعض الاحيان تسبب استخدام الاسماء المستعارة من قبل البعض الي الحاق ابلغ الاذي بآخرين دارت حولهم الشبهات دون بينة سليمة او حجة ناهضة، و انصع مثال علي ذلك حالة المفكر التونسي العفيف الاخضر الذي اتهمه الزعيم الاسلامي راشد الغنوشي علانية بأنه الشخصية الحقيقية وراء الاسم المستعار (الدكتور المقريزي) المتهم بالتجديف والاساءة الي الاسلام، في محاولة للايقاع بينه و بين السلطات التونسية، مما اضطر العفيف الاخضر الي اصدار بيان ينكر فيه ان يكون هو و الدكتور المقريزي شخص واحد و يطلب مؤازرة القوي الديمقراطية لحمايته من مصير مظلم علي يد قوي الارهاب الديني. غير ان اطرف ما قرأت في شأن الاسماء المستعارة كانت الازمة التي تعرض لها القاص السوري سعيد حورانية الذي اتخذ لنفسه في بواكير شبابه اسم ( تشيخوف )، ثم شارك بذلك الاسم المستعار في مسابقة للقصة حيث تقدم للجنة المسابقة بعمل قصصي اسماه (الصندوق النحاسي) و حدث ان فازت القصة بالجائزة الاولي، و لكنه عندما تقدم مزهوا طالبا تسلم جائزته ووجه بتقريع و تنكيل لا مثيل لهما وهمّ بعض اعضاء اللجنة بضربه بالاحذية اذ اعتقد الكل انه سرق القصة من الكاتب الروسي تشيخوف ثم نسي ان يقوم بتغيير الاسم، و فشل سعيد فشلا ذريعا في ان يقنع احدا بانه فعلا كاتب القصة، و قد حجبت الجائزة في ذلك العام!..ما اردت ان اصل اليه هو ان وراء الاسماء المستعارة غالبا فطاحلة وعباقرة رغم من يري انه في بعض الاحيان يختفي وراء الاسم المستعار من يتجاوز حدود اللياقة الحقيقية...ويستحق الاعتراض بدعوي انه لا يستقيم من الوجهة الاخلاقية ان يتم توجيه النقد الي اشخاص باسمائهم بينما يستخفي الكاتب وراء اسم مستعار، و بدت لي وجهة نظره منطقية .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق