الخميس، 31 ديسمبر 2015

الشيخ ولد بلعمش تاريخ الميلاد المفقود **

تاريخ الميلاد المفقود **
قرر ذلك الشاب السعيد بوظيفته و سلطته دون أن يسألني أنَّ تاريخ مولدي هو يوم 31 ديسمبر 1973 ، كان بسرعة حركة يديه على الجهاز و نظاراته الحديثة نسبيا و صمته الذي لا يوحي بأية صورة شعرية كفيلا بإقناعي أن الأمر جلل فأنا رجل لم تستطع الأسفار و عواصم الشرق أن تمحو عنه بساطة البدوي المُنصِت في
كثير من الأحيان .
اكتشفت فيما بعد أنَّ 31 ديسمبر هو يوم ميلادِ من لا يوم ميلادٍ له .
أنا أحب الحكومة فهي تقرر لي تاريخ ميلادي و هي حريصة على النظام في التظاهرات الثقافية فترسل شرطتها لتضرب بالسوط الأليم كل من تسول له نفسه أن يدخل الباب قبل ذوي المال و السلطة و لقد سمعت قائد الشرطة في إحدى الولايات بعد أن تدخل لدعم عناصره ذات تظاهرة ثقافية يقول لأحد المعترضين على دفعه بغلظة إن دراعتي هذه اشْتُريتْ من ثمن (ادَّكْميرْ)، و هكذا قررت الرجوع إلى بيتي دون محاولة للدخول و قد كنت مدعوا فما بعد كلام القائد منْ كلامْ .
أنا حسب الوثائق الرسمية ولدت يوم 31 ديسمبر و هو يوم النهاية من كل عام .
سامح الله الحكومة ليتها قررت بدلا منه يوم البداية 1 يناير .
لم يكن الأمر مهما بالنسبة لي في البداية فالمهم أنني ولدت و لله الحمد بصحة جيدة رغم أن قريتي لم تُحظَ بمستوصف إلا بعد أن بدأتُ أقرض الشعر .
كنت ذات مرة جالسا مع صديق في إحدى مطاعم دمشق الراقية فنحن الفقراء لم نمارس الطغيان إلا لأننا عاجزون ، بعد لحظات سأكتشف أن إدارة ذلك المكان المطل على ليل الشام الكتوم قد اتخذت قرارا بأن تعرض خدمتها على كل زبون .
فتسألك عن تاريخ ميلادك باليوم و الشهر و السنة و إن استطعت أن تُحدد الساعة فحسَنٌ ، لتتناول قهوتك و عشاءك ثم يسلمونك هدية و نشرة عن طباعك و مزاجك و تحليلا نفسيا لشخصيتك و ربما استشرافا لمستقبلك المُضيء حتما .
كان جواب صديقي دقيقا و سريعا أما أنا أيها السادة فمارستُ اجتهاد فقهاء السلطان و هرعت إلى قاعدة أخف الضررين و لم أنطق بلفظِ ولدتُ يوم كذا و إنما قلت 20/08/1973 ليلا الساعة الثانية صباحا و هي جملةٌ لا فعل فيهَا فهل كذبتُ ياترى ! ، أشهدكم بعد مرور خمسة عشر عاما أنني تائب إلى الله و لعلَّه أخف ذنوبي فلا حول و لا قوة إلا بالله
و هكذا استلمت نشرة أولئك الموهوبين و قرأتها بتأمل و اهتمام فأنا فتى امحيرث (الطلاَّعُ و لكَّاطُ اطْيَاحْ ) الذي ظاهره مواكبة للمدنية و أعماقُه حنين إلى مبيتٍ في (تيدرنيت ) لدى خيمة تروح عليها الإبلُ و الشاءُ .
لقد هنأني ذلك الصديق حفظه الله و وفقه بشخصيتي النادرة المزعومة و مستقبلي الوضاء الموعود ، أما أنا فسأفتح باب الأسئلة من جديد .
لا أمتلك إجابة دقيقة نهائية على السؤال متى ولدت ؟
غاية ما أعرفه أنني ولدت سنة 1973 أيَّام الكسوف الكبير على حد تعبيرهم ، وكان ذلك في واد نخل و زرع وتاريخ يُدعى امحيرث ، و يضيفون أنَّ ذلك كان صيفا ، و كانت الليلة ممطرة فتنفس جريد النخل برائحة نادت الدنيا أن الحياة جميلة برغم الليل و الكسوف .
و اتفق الجميع على أنني سهرت الليل أبكي و نمت الضحى
و لقد جاءت سيدة طيبة عابدة هي زوجة قاض جكني مشهور مكث في مدينة شنقيط زمنا طويلا و قرأت عليَّ و قالت لأمي سيبارك الله لك في هذا الولد إن شاء الله و هو ما تتذكره من حين لآخر والدتي حفظها الله كلما رضيت عن صنيعي .
فما تاريخ ذلك اليوم يا أحبابي الحاضرين ؟ يجيبونك تالله لا ندري لكنه ربما في أغشت ( أغسطس )
ربما سجل والدي رحمه الله ذلك التاريخ بالتقويم الهجري كعادته مع الأحداث العائلية ، لكنني لم أعثر على شيء من ذلك حتى الآن .
لقد كنتُ آخر مولود للعائلة في القرية، و ها أنذا بعد أشهر ربما ثمانية سأكمل الأربعين.
أصبحت أكرر أحيانا بصوت يشبه بكائي الأول { حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} صدق الله العظيم
------------------------
نشرت التدوينة بتاريخ 31/12/2012 لكنني أعيد نشرها اليوم إهداء إلى سبعين في المائة من الموريتانيين الذين يشتركون و إياي في تاريخ الميلاد الأشهر في الصحراء ..
كل عام و أنتم بخير ...

ليست هناك تعليقات :