الثلاثاء، 25 أغسطس 2015

محمد سالم ابن جد لكي نفهم الأدب (57)

لكي نفهم الأدب (57)
عند ما يدرك الشاعر واقع عصره ومحيطه يجيد الاستشراف ويصيب في توقعاته.
في مستهل عام 1988 كتب صديقي الأستاذ الشاعر بابَّ ابن أحمد قصيدة تزيد على ثمانين بيتا بعنوان "صفارة الإنذار" توقع فيها اضمحلال الحضارة المادية غربية كانت أم شرقية؛ وهو ما بدأت نذره بعد حوالي عامين بانهيار سد برلين، وما
تلاه من تساقط الأنظمة الشمولية في أوربا الشرقية والعالم العربي (اليمن الجنوبي مثلا) ثم تفكك الاتحاد السوفييتي.
في المطلع يراها قد أينعت وحان قطافها فيقول:
أرض تدور وعالم دوار ** وحدائق تجري بها الأنهار
والصبية الضعفاء شاخ أبوهمُ ** وتفجر الإعصار فيه النار
ومن استشرافاته الموفقة قوله:
والناطحات السُّحْبَ هارٍ تحتها ** جرف عليه بناؤها منهار
مدماكها السحري كان فقاعة ** وهل استقام لساحر معمار؟!
كما يقول:
والعالم المنهار واجه حتفه ** ومن الدمار تُحدِّق الأخطار
ويقول:
والقوم مهما اليوم طال بناؤهم ** لا بد أن تُتَداول الأدوار
كتبت القصيدة قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 بحوالي ربع قرن!
ويأسف الشاعر لحال شعوبنا المنكوبة بحكامها والتبعية العمياء للغرب فيقول:
دولاب مركبنا يسير القهقرى ** وعدونا دولابه طيار
والكوكب السيار صار بكفه ** وبكفنا السيجار والقيثار
وهو المحرك للسفينة وحده ** وجميعنا لسفينه سمسار
ورصيد مصرفنا خناجر أشرعت ** وصكوكنا الكرباج والمنشار!
ويقول عن الثنائية القطبية وتأثيرها السلبي:
في الغرب أمْريكا تُفَرِّخ بيضها ** والشرق فيه يعشش التتار
عصفت رياح الكفر فوق ربوعنا ** وتنكر التاريخ والأمصار
زحفت رمال الذل فوق دروبنا ** فنما الهوان وسادنا الأشرار.
ولا يبدو الشاعر راضيا عن الشباب ولا الشيب حين يقول:
فشبابنا رخو العزيمة هارب ** من دينه وشيوخنا أحبار
قسمان: قسم صامت ومحايد ** والقسم الاخر طائش ثرثار
وجميعهم قد سردقوا أكواخهم ** لكنها ليست لها أسوار..
إلى أن يقول:
لكن إذا عاد السلاح ولم تعد ** همم الرجال فهل تعود الدار!
ومما تجلى مصداقه للجميع قوله:
لم يبق للأخلاق أية قيمة ** في عالم معياره الدولار
ورغم عموم الدلالة فإن فضيحة كلينتون الأخلاقية وتبرئة الكونغرس له بعد زمان كانت برهانا على صدقه.
ويبقى استشرافه الختامي أملا منشودا..
إني لأرقب رغم كل تشاؤمي ** فجرا له تتوجه الأنظار.



المزيد في صفحة الأستاذ على الفيس بوك : هنا

ليست هناك تعليقات :