المـتــدرّق بــالفــيــسـبــوك عــريـــان!
في تعبيراتنا العامية الشنقيطية نقول: "المتدرّق بالأيام عريان"، وتعني أن من يتترَّس خلف الأيام سيخسر الرهان.. و"المتدرّق" مشتقة من العبارة الفصيحة "الدرق" أي الترس التي يحتمي بها المحارب! وهذا القول العامي السائر ليس بعيداً أيضاً في
بعض معانيه من قول زهير:ومهما تكن عند امرئ من خليقة.. وإن خالها تخفى على الناس تُعلم
وعلى ذكر أخذ "العلم" بكل "خليقة" وكل دسيسة، حتى لا أقول وكل خسيسة، كثر الليلة تدوين مجتمع الفيسبوك الموريتاني عما اعتبر فضيحة تنصُّت تجري في موريتانيا على كل كبيرة وصغيرة من خصوصيات الناس، بما في ذلك التنصت واختراق بعض الصفحات والمراسلات الفيسبوكية! وبالنسبة للفيسبوك بالذات فليس فيه اختراق أو تنصت لأن الموقع نفسه من أكثر مواقع الإنترنت وباء بهذه الظاهرة! بسبب كثرة ما فيه من آذان متدلية من الجدران والحيطان! وليعلم من يكتب في الفيسبوك كلمة واحدة، في منشورات عامة أو مراسلات خاصة، أنها ستدور حول الكرة الأرضية ربما كل أربع وعشرين ثانية! وطبعاً لا خصوصية لمن يبحر على الفيسبوك ومن يشعر فيه بالأمان على خصوصيته كمن يصب الماء في الغربال، هذا على رغم تينك العبارتين الزائفتين في "الإعدادات" اللتين تشيران إلى "الخصوصية" و"الأمان"! والحال أن خصوصية من يدخل الفيسبوك وفرصه في التخفي هي كفرص تخفي رجل يتسلل على رؤوس الأصابع في الهزيع الأخير من الليل، ولكنه يحمل على منكبه كيساً مثقوباً من الطحين!
والغريب أن هنالك من بلغ درجة من "الحلم" جعلته يستغرب من وقوع هذا التعدي السافر على خصوصيات المواطنين في موريتانيا، وكأننا في فنلندا! ولكن، كما يقولون في الترجمات الرديئة لحوارات الأفلام الأجنبية: ماذا دهاكم.. ما الخطب.. يا قوم؟.. ألم تسمعوا عما جرى لماما أمريكا نفسها، بشدها وعدها، مع قرصان متشرد -مع حفظ المقامات والألقاب- يُدعى جوليان أسانج، أو آخر متسكع اسمه أدوارد سنودن، والتسريبات التي بددها كلا الرجلين شذر مذر عن أكثر خصوصيات وملفات بلاد "العم سام" سرية وحساسية! وهي نفسها التي اخترعت الإنترنت! والخوادم الثمانية الحاملة لعالم الشبكة العنكبوتية كله على صعيد عالمي موجودة في أمريكا حصراً، ومسجلة في مدينة ساكرامانتو! ومع ذلك لم تستطع واشنطن حماية خصوصياتها الدقيقة للغاية من التسريب والتخريب! وكذلك الرئيس هولاند، والمستشارة ميركل، تعرضت هواتفهما للتنصت! ولم يبق رئيس ولا مسؤول في العالم إلا طاله التنصت والتسريب! وإذا كان هذا هو الحال في الدول المتقدمة.. فما الظن بمن كان مواطناً غمراً، مكشوف الظهر لكل طارق أو طارئ، ومن دولة فقيرة في نهاية المعمور من أكثر قارات العالم فقراً وفاقة؟! ومَن "فارغ الشغل" الذي سيتنصت عليه! وإن فعلها فماذا سيربح غير ضياع الجهد والوقت وسماع "وسخ أذنيه"!
ولذا يا إخوتي هوّنوا عليكم.. ليتنصَّتوا كيفما شاءوا. بالهناء والشفاء.. وإن كان الصوت أو الخط في الشبكة غير واضحين فليخبرونا بأنهم يريدون مساعدة في توضيح ما نقول أو نكتب، وسنفرغه حسب الأصول وندققه ونوثقه في ورق ونعرّج به على أقرب مصدّق عقود ونوقع عليه بمعرفة كاتب عدل وشاهدين، ونبصم بالعشرة، ونرسله لهم بالبريد المضمون، أو مع أول قادم إلى كبيتال، ولن نؤخره إن شاء الله عن حامل الحروف! وهذا فيه ربح لوقتنا ووقتهم، لكي نتفرغ نحن لصفحاتنا الفيسبوكية وعالمنا الأزرق الذي ندمن السباحة في سراباته، ولكي يتفرغوا هم أيضاً لما يقولون إنه سهر على المصلحة العامة لموريتانيا.. وبعد ذلك نتصافى نحن وهم السماح.. ولا حاجة لتنصت ولا لتسريب.. لأنه "لا يتخالى إلا السراق" ولا غرو إن قيل إنهم يسترقون السمع.. وهكذا انتهينا أيضاً، دون أن نشعر، على قول عام آخر -وربما فعل عام- شائع في بلادنا، بل هو بمثابة رياضة صباحية وطنية، ولا فخر، للأسف!