الجمعة، 17 أبريل 2015

محمد سالم ابن جد ظرافات وظرفاء (61)


ظرافات وظرفاء (61)
أذكر أنني سنة 1997 كنت مرة عائدا من السبخة إلى تيارت في "ميني بيس" ولم يكن لدي إلا حوالي 100 أوقية، (وطول الرحلة من دواعي تعدد الراكبين من المعارف والأصدقاء) فركب
معارف فرادى من مكان لآخر التزمت بما يعنيهم (20 أوقية فقط!) عند نزولهم؛ وحين استحق المحصل ما لدي أمسكت عن أي التزام إضافي فكنت أودع من عرفت من النازلين شفهيا فقط.
وأثناء الطريق ركب رجل من معارفي مصحوبا بآخر بدا فورا أنه سمسار قطع أرضية؛ فقد أخرج رزمة من المخططات الأرضية بدأ يتدارسها مع رفيقه ويؤولله متشابهها ويبين مجملها ويقيد مطلقها ويخصص عامّها.. واستمر كذلك إلى أن نزلا عند إحدى مخبزتي "آموره" فودعني الذي أعرفه منهما وودعته (اللسان باللسان، واليد مكروفة) أخرج السمسار نقوده للمحصل فأعادها من أعرفه في جيب صاحبها والتفت إلي قائلا: فلان.. "خلصهم إل ذاك".
لم أقل شيئا ولا يمكن أن أقوله، بل ولا أعرف ما أقول! وحين وصل الباص إلى وقفة تيارت سلمت المحصل ما لدي ودعوته إلى المتجر المقابل، وهناك تكفلت ساعتي بإتمام الباقي إلى أن عدت إليها ففككت رهنها.. فالحياة تجارب.
من ضمن تلك التجارب المختلفة أني كنت أقضي فترة من أحد مواسم الخريف قبل عقدين من الزمن خارج المدينة، إلى أن قدم أحد أصدقائي فأخبرني أن أحد سكان حينا بالعاصمة أصيب بمرض ألزمه الفراش وحمله رسالة إلي بضرورة لقائه إذا زرت المدينة.
أسفت للخبر وزرت المدينة لدواع لم تكن لتعجل زيارتي لولا رسالة المريض، وكان أول ما قمت به – بعد شاي القدوم- عيادته والاستفسار عن مهمته، فأخبرني أنه يريد زيادة الطبيب الفلاني (رحمه الله) ويثق به، ولكنه يحتاج إلى صداقتي معه نظرا لحالته ويحرص على الاستفادة منها. وافقت طبعا وأبديت استعدادي صادقا، وواعدته الخامسة من مساء اليوم نفسه في عيادة الطبيب المعني.
وصلت إلى العيادة قبل الموعد فوجدت العمل لم يبدأ بها وعلمت أن الطبيب موجود، فانتظرت وصول المريض أو خروج الطبيب، وبعد قليل وصل المريض في سيارة ابنه مصحوبا بشخصين آخرين، فحملناه إلى مكان مريح (الزمن خريف) وبعيد ذلك لقيت الطبيب فذكرت له شأني فوعدني بمعاينة المريض حيث هو مراعاة لحالته رغم ما في ذلك من إزعاج له.
رجعت إلى المريض فأخبرته وبقينا في انتظار الطبيب، إلا أني لم أرض الجمع بين هدر وقته وخبرته وماله، ولم أكن قد اكتسبت مالا بعد وصولي قبل ساعات، ولم أر أحدا من مرافقي المريض انتبه إلى دفع الرسوم، وربما كانوا يرون في وجودي معهم غنى عن ذلك. تفقدت جيبي خلسة فوجدت فيه ما يكفي المهمة دون زيد ولا نقص، فدفعته إلى الموظف المعني وسلمني الوصل؛ كل ذلك بمرآهم.
بدأ الطبيب بنا فأجرى المعاينة وقدم النصائح ووصف العلاجات المناسبة، فودعته شاكرا وودعه رفقائي كذلك، ثم حملنا المريض إلى السيارة حتى وضعناه على الهيئة التي تناسبه فأغلق القوم عليهم أبواب سيارتهم وأدار ابنه محركها وانطلقوا في حفظ الله بخلو في بعض المقاعد، رغم علمهم أني ما جئت هناك إلا لأجلهم، وكون منزلي في طريقهم!
أعدت تفقد جيبي فلم أجد به شيئا قل ولا كثر، ولم تطل حيرتي، فقد تذكرت منزلا لأحد أفراد الأسرة على بعد حوالي كيلو مترين فتوجهت إليه سيرا فشربت "الذهبي" وأخذت ما يوصلني إلى مسكني.

ليست هناك تعليقات :