الجمعة، 9 يناير 2015

من نفذ عملية شارلي إيبدو ؟ بقلم : محمد الأمين الراجل

من نفذ عملية شارلي إيبدو ؟  
                      بقلم : محمد الأمين الراجل 
على الرغم من أن الكثير من المهتمين يرون الإجابة على هذا السؤال سهلة وهي محددة مسبقا إلا أنها بالنسبة لي تأخذ أبعادا أكثر من تلك المعدة مسبقا وهي أبعاد يمكن أن نتطرق إليها في محاولة معرفتنا لمرتكبي هذه العملية التي هزت أوروبا بشكل خاص والعالم بشكل عام وهي محاولة لا تقتصر على معرفة أسماء المرتكبين التي عرفت مسبقا
ولا بالتبني الجاهز الذي حظيت به هذه العملية ولكن أقصد معرفة الأبعاد والخطوط العريضة الكامنة وراء هذه العملية . فمنهم مرتكبي عملية شارلي ايبدو ؟ وما هي الأبعاد التي تحملها هذه العملية ؟ وما هي تداعياتها ؟
إن محاولة معرفة عملية من هذا النوع تجد الكثير من التفسيرات حسب اختلاف المحللين والمهتمين بهذا الشأن والمنطلقات التحليلية التي يتبناها كل منهم ليست سهلة إلا السماع بعملية من هذا النوع أول ما يتبادر إلى الأذهان عملية الحادي عشر من سبتمبر كعملية تضاهيها من حيث مكان التنفيذ على الرغم من أن هذه العملية نفذت في يوم يؤخذ في الحسبان فعند الحديث عن اليوم الذي نفذت فيه عملية شارلي أيبدو نجد أنها تزامنت مع ظهور الكتاب المثير للكاتب الفرنسي ميشيل ولبيك الذي يحمل عنوان "خضوع أو استسلام" والذي يتنبأ فيه الكاتب بوصول الإسلاميين إلى سدة الحكم في فرنسا وبمباركة جميع الأحزاب السياسية الفرنسية ، كما أنها أيضا تزامنت مع ذكري تخليد إعدام صدام حسين ومع أن نفس اليوم لم تكن عملية شارلي ايبدو العملية المسلحة الوحيدة فقد تزامنت مع تفجير مفوضة شرطة في اسطنبول وآخر في كلية الشرطة باليمن وآخر في درعا بسوريا والتي راح ضحيتها أبرياء عزل مع أني لا أعتقد أنها جاءت بشكل عفوي إضافة إلى ذلك فلم يهب لها العالم ولم يتعاطف معها مثل ما فعل مع شارلي أيبدو وهو ما لا يطمئنني على إنسانية العالم المزعومة ، كما أن الاهتمام المتزايد بهذه العملية دون غيرها من العمليات يجعلني أعتقد أن ميزان الإنسانية الذي يرجح به بعض الأبرياء على البعض الآخر ويكسب بعضهم تعاطفا أكثر مما يكسبه الآخرين هو ميزان في الحقيقة غير عادل في حق الإنسانية هذا من جهة .
أما من جهة أخري فيمكن اعتبار رسامي شارلي أيبدو هم من أطلق النار على أنفسهم باعتبارهم أول من أطلق العنان لأقلامهم على حساب آخرين لا يتمثل بعضهم مضمون الآية الكريمة {وَكَتَبْنَا عَلَيْهُمْ فِيهَا أَن النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ...} وهو ما يمكن التعبير عنه بالمثل الشهير ( الرمية عندما تخرج من يد صاحبها لا يعرف أين تقع ) فعلى الرغم من اعتراف الشخصي بوجوب احترام حرية كل فرد في التعبير إلا أنني أتمسك أيضا بالمبدئي الشهير "حريتي تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين" إلا أن حرية الأديان هي الأخرى لا تقل أهمية من حرية الإعلام والحريات الأخرى ، مع أن تعامل الفرنسيين مع الحريات يختلف من ناحية للأخرى وهو ما يظهر من خلال تعاملهم مع شارلي أيبدو التي تم توقيفها عندما رسمت عند وفات الجنرال ديجول كار يكتر ساخر ولم يعتبر ذلك من حرية الإعلام باعتبار أنها أغضبت مشاعر الفرنسيين لكن التعامل لم يكن كذلك معها عندما أظهرت رسوما مسيء إلى النبي محمد (ص) ألا يغضب هذا مشاعر الكثير من الفرنسيين ومليار مسلم في العالم أم أن المشاعر هي الأخرى حكر على أمة بذاتها ، كما أن شارلي أيبدو عملت بأسلحتها عملا متطرفا ولم يتحدث أحد إلا أنها عندما مسها تطرف الآخرين وقف العالم بأسره ليقول je suis Charlie  .
كما أن ما لا يطمئنني على مفهوم الحريات التي يتحدث عنها الجميع وخصوصا في فرنسا كونها تعاقب قانونيا من أظهر العداء للسامية وفي نفس الوقت تعتبر احتقار الإسلام من الحريات وتدخل في إطار حرية التعبير ، كما أن ما أظهر الكثير من مناصر اليمين المتطرف من أمثال ولبيك وغيره من المعادين والعنصريين ضد المسلمين لم يحدث ذلك أي ضجة فهذا التذبذب الذي يظهره الفرنسيون في المواقف ربما هو من يعرف فعليا من نفذ عملية شارلي أيبدو .
أما من زاوية أخري فإن من أغرب ما سمعته هو محاولة بعض المؤسسات الإسلامية تبرئة ذمتها من منفذي هذه العملية باعتبار أن المتهم الأول في هذه العملية هم المسلمون غير أن المتتبع لتاريخ الأحداث الماضية في باريس من أمثال تفجير قطار الأنفاق ..... وغيرها من العمليات يجد أنه يجب أن يكون المتهم فيها الجميع لا أن نبدأ بإلصاق التهم الجزافية دون محاولة معرفة الحقيقة ، ومن هنا فإني مع ذلك أتحفظ على كلمة  (إرهابي) والتي أصبحت ملتصقة بالإسلام أكثر من غيره من الديانات مع أن كل الديانات وكل المجتمعات فيها متطرفين (اليمين المتطرف في فرنسا) .
أما العامل الآخر في هذه العملية فيتحدد من خلال علاقة الفرنسيين بالتنظيمات المتطرفة التي تجتاح العالم وهي العلاقة التي نجدها واضحة من خلال إعلان الحرب على الإرهاب من جهة وصنعه من جهة أخرى هذه العلاقة التلازمية والتي تظهر أكثر من خلال تدخلها في أفغانستان وليبيا ومالي وسوريا فهذه الأخيرة والتي قال عنها الكثير من المحللين أن الكثير من الأسلحة الفرنسية المستخدمة فيها جاءت كدعم من فرنسا لأحد الأطراف المتقاتلة في سوريا فعلاقة من هذا النوع تأخذ مختلف الأشكال يجب أن يكون أصحابها مستعد لأي ردة فعل قد تلحق بهم فهي علاقة كفيلة بصنع هذا النوع من العمليات .
أما من زاوية أخرى يمكن أن تفسر هذه العملية بأن فرنسا يمكن أن تكون هي من أطلق النار على رسامي شارلي أيبدو في وقت أظهر فيه الكثير من الفرنسيين التخوف من الإسلام والمسلمين وهو تخوف عبر عنه ولبيك من خلال كتابه المثير لذلك فمن الطبيعي جدا والمعقول القول بهذا التفسير وخصوصا أن التهم ملصقة بالمتطرفين المسلمين وبالتالي عدم تصديق تنبئ ولبيك بشأن المسلمين في فرنسا ، كما أن ما يبرر هذا التفسير تجربة الولايات المتحدة الأمريكية مع المتمردين في كوبا وعملية الحادي عشر من سبتمبر حيث يظهر ذلك المؤلف الفرنسي تيير ميسون في كتابه الخديعة الكبرى إذ يعتبر أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تعلم بنوايا تنظيم القاعدة إلا أنها غضت الطرف عمدا من أجل شرعنة اجتياح العراق وأفغانستان مبررا هذا القول بالوثائق السرية التي أظهرت تورط بعض القواد الأمريكيين في تفجير نيويورك من أجل إلصاق التهمة بالمناضل الكوبي فيدل كاسترو وهو ما يدل على أن فرنسا يمكن أن تستورد هذا الأسلوب من شقيقتها الكبرى لتبرير ربما الكثير من الأفعال القادمة وتقوية حجتها للتدخل في الكثير من بلدان العالم الثالث باعتبار أنها تحارب الإرهاب .
ولكن هذه التفسيرات لا تنفي أن الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروفة اختصارا بــ(داعش) أنها من نفذ العملية إلا أنه حسب هذا التفسير ربما تكون هي من خطط وهي من نفذ لكنها لا تعرف أنها مجرد مفعول به هذا من جهة ومن جهة أخري نجد أن معرفتنا بداعش وظهورها وعلاقتها بالفرنسيين هو ما يمكن أن نطلق عليه المثل الشهير سمن كلبك يأكلك ، مع أن هذه التفسيرات أيضا لا تنفي أن تكون هذه العملية من صنع داعش أداء وتخطيطا واستطاعت بها أن تضرب الفرنسيين في الصميم .
كما أن هذه العملية أيضا تأخذ عدة أشكال أخري يمكن أن تفسر من خلالها أولهما أنها ليست استهدافا للأمة الفرنسية وإنما فقط نوع من رد الجميل لشارلي أيبدو على الرسوم التي أغضبت بها مشاعر المسلمين وهي الإساءة التي عبر المسلمون عن انزعاجهم منها بمختلف الطرق التي يتبناها كل منهم وهذا أيضا نوع من التعبير ، أما الشكل الثاني أن هذه العملية هي استهداف للأمة الفرنسية وهي عبارة نوع من التحدي واعتراف بالندية وأن تنظيم داعش أراد أن يقول للفرنسيين إذا كنتم قادرون على ضربنا في أماكننا فنحن كذلك نستطيع أن نفعل معكم المثل .
وخلاصة القول أن محاولة تقديم تفسر لهذه العملية لا يعبر بالنسبة لي عن تبنيها ولا محاولة إضفاء الشرعية عليها ولا تبريرا لقتل أي إنسان بريء مهما كان كما أنه أيضا لا يمثل نفيا لأي حرية مهما كانت إلا أنني فقط أريد أن نكون منطقيين من حيث الطرح والمعالجة وأن نبتعد عن التراشق بالتهم الجزافية وننتظر حتى نعرف الأيادي الخفية التي وراء هذه العملية وإدانتها .
كما أنني من خلال المتابعة لتداعيات هذه العملية لاحظت أن الكثير من المهتمين والمحللين يقرأ الأحداث دائما من زاويته التي يري من العالم ولذلك كان من المهم بالنسبة لي تقديم تحليل شامل لهذه العملية ليس باعتباري محلل أو مهتم وإنما فقط من أجل ممارسة الحرية التي هي اليوم مطعونة في الصميم بكل معاني الكلمة .
هذا مع الإشارة إلى أن الحريات هي هي لا ترتبط بالزمان ولا المكان والإنسان هو هو مهما كان فتجاهل بعض الآلام التي تعانيها الإنسانية وتبني والتعاطف مع بعضها الآخر هو أيضا مؤلم مع أن تذبذب عالمنا اللا محدود والذي يظهر بين الفينة للأخرى لا يعطي انطباعا جيدا عن هذا العالم لذلك فلماذا أقول أنا شارلي، ولا أقول أنا أبرياء العالم .


                                                            

ليست هناك تعليقات :