الجمعة، 14 نوفمبر 2014

‏ناجي محمد الإمام‏ صبــــــــــاح الذكر و راحِ الأرواح


صبــــــــــاح الذكر و راحِ الأرواح
_________..........._______
قصيدة "تقاسيم على عود ابن زريق البغدادي " التي نشرت أول مرة في إضبارة الأدب الموريتاني الصادرة في ملحق عن مجلة آداب البيروتية الشهيرة أواخر الألفية الماضية؛ كما
نشرت عدة مرات في دوريات عربية محكمة أخرى و أصدرتها مؤسسة البابطين ضمن كتاب عن الشعر العربي الحديث .
نعيد نشرها هنا تلبية لتمنيات بعض الاصدقاء مرفقة بارتسامات كتبها عنها منذ سنتين تقريبا الكاتب الأديب الاستاذ محمد الراجل يوباه..
.................................................................
تقاسيم علي عود بن زريق البغدادي/ شعر / ناجي محمد الإمام
__________________________
(1)
أينما ولّيتَ فالصحبُ مرايا
أينُهُم: قطبُ رحا الراحِ
تعاطى منتهاهُ..
وحُميّا ثملتْ منها، ومنكَ ،الكاسُ
حدّقْ هل تراهُ ؟
إسبل الهُدْبَ وخلِّ الوصلَ يسري
إن بين الدمِ والدمع مداهُ..
أتراه.. من رآني..
قد رآهُ..
اِرفعِ الأستارَ
عن طيب شذا المِقْولِ،
عن رجع أهازيج هواهُ..
مُسعِدٌ عطرُكَ.. علِّلْني فإني ..
كلما رقّتْ...
ترانيمُالصباحاتِ.. أراهُ..
كلما دقَّ أنينُ الدَّوْحِ
في الروح.. أراهُ..
كلما رقّت جفونُ الآسِ
في الآسي..
أراهُ..
ليس بين الرمش والهدبِ
زمانٌ لسواهُ..
ليس في الجبّة إلا مضغةٌ جفّتْ
فشفّتْ/ فتماهتْ
ليس في الجبّة إلاكَ.. ولاتَ المنتهى
أَبَدٌ يَغْشَى،،
و..هذا السرمدُ الممشوقُ
دربُ الأمدِ الزاهي.. سبيلُ المُشْتَهَى..
و وَهْمٌ.. ما سواهُ..
وَا.. هَواهُ..
(2)
أبْــحَـرُوا
والكأسُ ظمأَى.. للشفاهْ..
كلما عَبّوا.. دُعُوْا.. واستَبْشَروا..
وانفلق الإصباحُ..
لا حُجْبَ..
ظلامٌ ما عداهْ..
لِمَ باحوا.. وسَرَوْا..
والفُلكُ يحدوها الصُّداحُ ؟
أسكتَ السِّـرُّ حُـداةَ القومِ...
فارتادوا
مواقيتَ النحـــيبْ...
مُوجِعٌ صمتُ السُّكارى
في سواهُ..
يا سراةَ الحبِّ..
كمْ هو مَهيبٌ حينَ يَنْهَـــلُّ..
الوجيبْ.
فإذا الكتمانُ بوحٌ..
والهوى:.. أن لا نُـــجيبْ..
(3)
يا مُريدَ الفَلَقِ ادّاركْ سُهادَ العاشقينْ
إنهم قومٌ إذا باتوا - على عِلاّتهم وادّكروا
- ذَكَروا الحِبَّ، وتهيامُ الحبيبِ الفِكَرُ -
طربُ الأرواحِ في إفلاتها من جسدٍ..
ناءَ بحمل الـمُحْدَثِ..
فاعْتقِ الروحَ/ إذا الليلُ دجا
يا مُحْدِثي/
من جدثي..
لا تقلْ: قد سكر القومُ
ولكنْ حَدَّثوا..
لا تقل: حلّوا..
ولكن رحلوا..
لا تقل: حثّوا الخُطَى
بَلْ لَبِـــثُوا
هل تراهم في مسافات الهجوعِ
بَرَداً: يبكونَ
في حال التجلّي/
مَطَراً: يَهْمُونَ في
حالِ السطوعِ/
كيف عادوا..؟
كُلَّما عادوا.. مَضَوْا
واعشوشبَ العشقُ على آثارهم..
(4)
فإذا: الكونُ ظباءٌ وفراشاتٌ..
وشيءٌ من هديل الغَسَقِ المحزونِ
والأشجانِ والذكرِ الجميلْ
وغدايا.. وصبايا.. وزجاجاتٍ..
وعطرٍ، وفُتات من نُثار الوجدِ
في العِطْف النحيلْ..
وبقايا الحزنِ في الخدّ الأسيلْ..
(5)
جَرّدِ النايَ من الإثم وداعبْ شفتيهْ
ودَعِ الشعرَ يناغي يا «ابنَ أدهمْ»
فإذا «الحلاجُ» فوق الغيمةِ البيضاءِ
صبحٌ يتبسَّمْ..
وإذا الدنيا..
وما بعد النهاياتِ تَجسّمْ..
وتجلّتْ روعةُ الخُلْدِ..
حُلُولاً..
يَمْلَأُ الرجعَ سَلاما..
باسقٌ نخلُ «المَقامَاتِ»: مَقاماً..
فمَقامَا
أيها «الجيليُّ» شُدَّ الوتـــرَ
ها...قد صفّقتْ في كــأسها الراحُ...
وقد قَلَّ النُّـــــدامَى..
يا سَـــقَى اللهُ بدورَ «الكرخِ»
كم في «فَلَكِ الأزرارِ» أزمعتَ "مُقاما.."
_______
تعليق:
أخي ناجي... لم تصر على أن نرقص؟/ محمد الراجل يوباه
يخيل إلي أن ابن زريق يوم كان يطبع قبل الشوق بنهم علي خد زوجه الوردي متخذا بغداد والأهل والحب ظهريا ... وقطرات الشؤون تغسل الشحوب وما يرين علي الوجه من رين الشقاء وألم الحرمان.. قاصدا ديار الأندلس سعيا إلي كفاف يحفظ الحب، ويضفي علي نبيذ الشوق نكهة المتعة والدعة... يخيل إلي أنه كان يومئذ يعلل نفسه وحبه (بكسر الحاء المهملة) وحبه (بضمها) أنه وإن أملق وعال، فإنه حافظٌ لنفسه ولحبه ولحبه شرف الإبداع والإمتاع بما أنشد من شعر أراه يعتبره، وأراه كذلك، من أحسن وأصدق ما قيل ويقال في التعبير عن المشاعر وفي توصيف الحال عشية السفر والترحال، وكان مما قال وأنشد:
لا تَعْذُليهِ، فإنّ العَذلَ يولِعُهُ ... قد قلتِ حقّاً، ولكن ليس يسمعُهُ.
جاوَزْتِ في نُصْحِهِ حدّاً أضرّ بِهِ ... من حيثُ قَدّرْتِ أن النصْحَ ينفعه.
قد كان مضطلِعاً بالحَطْبِ يحمِلُه، ... فضُلّعَتْ بخطوب البَينِ أضلُعه.
ما آبَ مِن سفرٍ إلا وأزْعَجَهُ ... عزْمٌ إلى سَفَرٍ بالرُّغْمِ يُزْمِعُه.
كَأنّما هُوَ في حلّ وَمُرْتَحَلٍ ... مُوَكَّلٌ بِقَضَاءِ اللهِ يَذرعه.
أستَوْدعُ الله، في بغداد، لي قمراً ... بالكَرْخِ من فَلَكِ الأزْرَارِ مَطلعُه.
وكم تَشَفّعَ بي أن لا أُفَارِقَهُ، ... وللضّرُوراتِ حالٌ لا تُشَفِّعُه.
وكم تَشبّثَ بي يوْمَ الرّحيل ضُحى، ... وأدمُعي مُسْتَهِلاّتٌ وأدمُعُه.
أُعْطيتُ ملكاً فلمْ أُحسِن سياستَه، ... وكلُّ مَن لا يسُوسُ المُلكَ يخلعُه.
ومَن غدا لابساً ثوْبَ النّعيمِ بِلا ... شكرٍ عليه، فعنهُ اللهُ ينْزِعُه.
كان صاحب العود.. وصاحبك.. متشاكسا بين شعورين: شعور بمرارة الفراق، ولوعة الشوق إلي أحبة لم يبرح بعد مساكنهم، بيد أنه يتوجس خيفة من حرقة الفراق القاتلة، وتباريح الشوق القارصة، إلي أحبة ما نأى وأغرب إلا لهم، وما تجشم ما تجشم إلا من أجلهم... وقد يجشم الهول المحب المغرر..
وشعور جامح بالرغبة في تغيير حال الضياع والعوز، التي توشك في نظر الشاعر ــ حسب ظني ــ أن تجهز علي ما تبقى من سعادة حب اقتسمه وزوجه زمنا .. غير أنه يدرك أن دوام الحال من المحال.. ويرفد هذا الشعور لدى الشاعر ويغذيه إنشاده تلك القصيدة الصادقة، التي إن تملاها المرء يدرك أن الشاعر ــ وهو المنهار أمام سورة وجنتي زوجه ــ إنما يدعي فيها ما يدعي من الرجولة والبسالة، تعويضا وتسترا علي ما يحز في نفسه من ألم وما يعتصر قلبه من وجل وجوى... ولكأني به يردد قصيده ليستحث نفسه، أو يحدو روحه الحرونة التي لاتطيق أن تنأى عن المحبوب... كان ابن زريق إذا يعزى نفسه بأنه وإن ترك الزوج والحبيب خلفه، فلقد خلف وراءه أيضا شعرا وإبداعا...
وها أنت يا شاعرنا تربت علي كتف ابن زريق المبدع، سيئ الحظ، بعد قرون علي رحيله.. وهو الذي خذلته بغداد وانتبذه أهلها، علي ما كان منه، وما كان منهم... وسأروى لك ما سيدور بيني وبينه من حديث، سيثني فيه بالجميل علي جميل ذكرك إياه..إن أنا لقيته في المنام!
أما أنا فلي مع الشعر الحر ومعك شأن، بل شأنان! فشأني مع الشعر الحر أنني لا أتذوقه، ولا أستحسنه؛ بل أقول: حتى ظهيرة يومي هذا، ما كنت قط أحسبه شعرا... ولربما كان السبب أننا ــ كما تعلم ــ قبل أن تنبت أضراسنا كنا نتغذى علي السوائل من شعر الستة الجاهليين، ولامية الشنفرى، وصحبه من أغراب العرب والصعاليك، ونتناول من مرطبات شعراء عهد الرسالة. ولم يكن صبوحنا وغبوقنا إلا رسل نوق الشعراء من عصري أمية والعباس..
وأذكر يا شاعرنا يوم قرأت للناقد حسين مؤنس في صفحته إذ ذاك في مجلة العربي ــ يوم كان للعربي مجلة ــ مقالة أدبية نقدية، ولشد ما أعجبني قوله يومئذ عن الشعر الحر (فلما جهلوا الشعر ... جاءو بأسطر لا رأس لها ولا ذنب، فقالوا هذا شعر حديث، هذا شعر حر...) لقد صادفت كلمته حينذاك هوى في نفسى.. وجعلتني أستمسك برأيى، وأعتد به.
أما شأني معك يا شاعرنا، فإني قرأت لك اليوم: تقاسيم علي عود ابن زريق البغدادي، وقلت لنفسي أتجاوز هذا إلي غيره، فلكأنه شعرحر، وتقاسيم علي عود.. وأنا ما هويت الشعر الحر، وما درست من العزف علي العود ــ رغم طربي به ــ إلا درسين لايتجاوزان حد التثنية إلي الجمع، كنت أخذتهما علي الفنان فريد حسن منتصف الثمانينيات، ونسيتهما بداية السبعينيات! ولكنني قلت: ما ضرني أن أقرأ فإن كان علي غير ما عهدت، فبها ونعمت، وإن جاء كما توقعت، فما كنا ركوبا ولا طحنا.. أتجاوز إلي غيره...
والحق أقول لك، ما انتهيت من ترتيل تقاسيمك علي عود ابن زريق تلك، حتى عدت أدراجي إلي مطلعها، حتى حسبتها ملتني وما مللتها..
بدأت بك أخي إذا أتذوق الشعر الحر وأطرب له، وأظنني سأدرك قريبا أن الجمال والسحر يسكنان الجميل والساحر، أكان هذا الجميل قديما أم كان حديثا، أكان موزونا مقفى علي أوزان الخليل وقوافيه، أم كان تقاسيم منسابة علي عود ابن زريق وأوتاره..
لقد همت بغيدائك الأملودة هذه، وآمنت أن أهم عناصر الجمال في الشعر كامن في الكلمة ذاتها، وفي الحرف ذاته، وفي البناء الكلمي والتعبيري نفسه، بما يتطلبه ذلك من الدقة في انتقاء الحرف ليتم القران بين مهموس الحروف ومجهورها، وبين المنفتح منها والمصمت... فإذا بالكلام مجتمع حرفي متجانس، يتناغم فيه حرف الصفير بحروف الإطباق والذلقي بالحلقي... فذاك من سر الجمال.. أما جمال الجمال فحين يكون الشعر مؤشرا صادقا علي انفجار وجداني، ونسيما عليلا يحمل عبير فناء روحي، وصدق عاطفي، فذاك عين الجمال.. وهكذا كانت التقاسيم.. كانت عين الجمال. أنت تريد أن تتأوه، وها أنت فعلت! وتريدنا أن نطرب ونرقص، وها نحن طربنا ورقصنا... فهل عينك قرت؟ وما ذا بعد.. دمت يا أخي.
_____________
تعليق ناجي:
في مضمـــــــر الكون /الشاعر ثلاثة: شاعرٌ يكتبُ، وشاعرٌ يقرأ، وشاعرٌ يستوعب...
و أنْتَهُمْ !
أخي محمد...لا أُطريك، فالغرض الوحيد الذي لم أجربه هو المدح...لكنني أُقرّرُ حاصــــــــــلاً.
وإذا كان الشعراء ثلاثة...فإن الشعر مفرد واحدٌ يتيم، عُوِّضَ عن فقد الأبوين الخلودَ،والشعر حُرٌّ أو لا يكون، وهو موقع(من الإيقاع)أو لا يكون،أوركسترالي ،كالكامل،بَهْرَجُهُ يُطربُ الجموعَ ويدفع بالأزهار إلي تسارع نبضات التفتق، أو"منفرد" كشبابة الراعي علي قنة التجالة، أو دندنة الشجو تسري كالحميا في الأوصال،والجواهري وأمل دنقل والسياب و البردوني و نزار و بدوي الجبل و ولد ابنو
و الفيتوري قالوا...فأبدعوا،إنهم...المطر...
عندما يصل "المبدع" إلي درجة التشبع بالمُتَمَثَّل(بفتح الثاء)الإنساني العالِم من آخر ماركة في آخر مكنسة ألكترونية من "سوني" إلي تفاصيل "حديث الإفك" و شعر كهنة الطاوية و أغاني الهكسوس، و"نحيرة" عنيزة و منفى (ألبوري انجاي) ، و عباءة الصافي النجفي و أحزان ابن الفارض، و ولع شاتوبريان بأضلاع الضأن التي أخذت اسمه... يكون قد أبدع إبداعاً عالما يليق بذهنك.. وسياتي كاملا ،وافرا أو بسيطا،لا يهم..فهذه القواعد والمسميات لا حقة علي الإبداع وليست سابقة عليه، وميزتها الوحيدة أنها تجمِّدُهُ فترة غير قصيرة إلي أن يعاود الإفلات من قيود التنميط و يعاود ارتياد المجهول لصناعة الدهشة والفرجة والكمال...عشتَ لأننا بدونك لا نأمن بوائق التكلس...

ليست هناك تعليقات :