الجمعة، 3 مايو 2013

وضــاع الحــلــم بــسـبــب الحــالــة الـمــدنــيــة!


  • كــمــا ورد مــن الــمـصــدر
    وضــاع الحــلــم بــسـبــب الحــالــة الـمــدنــيــة!

    رن الهاتف ناولتني إياه فاطمة ابنتي الصغرى في نهاية ربيعها الثاني قائلة بصوت عذب وبريء باب... باب... هاتفك يرن ...يرن ...يرن... تعمدت عدم الإمساك به فصوت فاطمة أحلى عندي من كل صوت قادم وجبراً لخاطرها فتحت السماعة كان الصوت قادماً من صديقي المهندس أحمد ودار بيننا حديث ودي قصير ختمه بالقول عندي لك مفاجأة حلوة قلت له: عسى خيراً، أفصح يا صاحب المفاجآت ولك عليّ حلاوة المفاجأة . أخبرني بأن إحدى دول الخليج العربي ناشرة على أحد مواقعها الحكومية حاجتها إلى اكتتاب مهندس متخصص في الشبكات ونظم المعلوماتية على أن يكون بتقدير جيد فما فوق ويحسن الإنجليزية كتابة ونطقاً وأرشدني إلى رابط الموقع.
    وعلى الفور تصفحت الموقع وقرأت جميع الشروط المطلوبة وأرسلت لهم صورة مصدقة من شهادة التخرج. وصلني رد إلكتروني مباشرة وأرشدني إلى رابط في نفس الموقع عبارة عن اختبار سريع قرأت الأسئلة وأجبت على الفور، كانت أسئلة بسيطة ومختصرة تتعلق بأمن الشبكات. وبرمجة الروترات. وبروتوكولات الإنترنت والطبقات. والهاب. واسويتش.
    وبعد الإجابة وعلى شاشة المحمول أخبروني بأنه تم قبولي مبدئياً وعليَّ الحضور إلى أقرب وكالة سفريات لتسلم تذكرة سفر إلكترونية للاستعداد للسفر إليهم الاستكمال المقابلة الشفهية والتقويم الشخصي، وأرسلو لي بريداً إلكترونياً يحوي رقم التذكرة ويخبرني بأن التأشيرة ستكون بإذن الله عند الموظف في بوابة الدخول.
    وقتها شعرت بالاطمئنان والرضى بما هو قادم، وقلت في نفسي لقد تحقق الحلم وبت أعد نجوم السماء ولم أنم تلك الليلة أرتقب الصباح وبزوغ الفجر. في الساعة الثامنة كنت أمام أقرب وكالة سفريات، سلمتهم الرقم وناولوني التذكرة، واكتملت فرحتي بأن التذكرة في اتجاه واحد معناه عندي عدم العودة. أي القبول في الوظيفة.
    أخبرت الأهل بذلك وكانوا مسرورين إلا فاطمة التي لم يأتها في ذلك الصباح "ياوور" والبسكويت كما عودتها في كل صباح، ضممها إليّ وأمرت بإحضار ما يجبر خاطرها، وفي تلك اللحظة اغرورقت عيناي بدمع الفراق وازداد الدمع وكانت فاطمة كمن لاحظ شيئاً غريباً تقول "بابا تبكي أمالك... بابا تبكي أمالك ماما اشعدلتلك. ماما اشعدلتلك".. كفكفت دموعي بأناملها الذهبية وراحت تداعب دميته. حزمت حقيبتي للاستعداد للرحيل في مساء اليوم التالي.
    بعد الحضور إلى مطار انواكشوط الدولي ناولت موظف الهجرة والاستيطان التذكرة وجواز السفر وللوهل الأولى لم يخف عليه عدم التطابق في الاسم، فالتذكرة تحمل اسم محمد ولد محمد المصطفى والجواز يحمل اسم محمد ولد سيد الخير! شرحت له أن محمد المصطفى هو اسم الوالد وسيد الخير اسم العائلة، وعليه فالاسم الكامل محمد ولد محمد المصطفى ولد سيد الخير واستمررت بالشرح وبإطناب، موضحاً أن أسباب التغيير تعود إلى نظام الحالة المدنية الجديد الذي غير أسماء البشر والحجر... عندها ضحك وتفهم الأمر وختم الجواز بختم الخروج.
    صعدت الطائرة وجلست بجانب النافذة وأملي أن ألقي نظرة خاطفة على منزلنا لعلي أرى فاطمة تلعب مع صويحباتها، وانهمر الدمع من مقلتي، واستمر هكذا كل ما تذكرت فاطمة، واعذروني ففاطمة عنيد كل شيء، اسمها اسم والدتي التي انتقلت إلى رحمة الله منذ نعومة أظافري. ويوم ولادة فاطمة هو يوم تخرجي من الجامعة بميزة شرف مرتفع. وهي المولود الوحيد والأول، وزهرة البيت، وهي من ناولتني الهاتف وقالت بابا هاتفك يرن.... باب هاتفك يرن... إنها وجه سعد وتفاؤل بخير.
    في الطائرة رجعت مخيلتي إلى الوراء وتذكرت أيام الصبا والدراسة كانت سبع عشرة سنة دراسية، ست سنوات ابتدائي، وست إعدادي وثانوي، وخمسة جامعي، ختمتها بالحصول على شهاد الباكلوريوس في الهندسة... قطع شريط تفكري صوت المضيفة تقول: بعد ثوان تحط بنا الطائرة في مطار (…) بحول الله.. عودوا إلى مقاعدكم وشدوا أحزمتكم وتجنبوا دورة المياه.
    في المطار لم أجد أي صعوبة في التوجه إلى بوابات الدخول فالدراسة الجامعية أتممتها في الخارج مما مكنني من السفر في الطائرة وزيارة عدة مطارات..
    سلمت جوازي إلى موظف الهجرة، قارن الاسم بالاسم الموجود عنده بالتأشيرة وفجأة لاحظت من تجاعيد وجهه أن هناك أمراً ما. أمرني بالعودة إلى الوراء وبقي متمسكاً بالجواز والتأشيرة... قلت في نفسي عسى خير. بعد ما يزيد على نصف ساعة تقدم إلي شخص قائلًا: "اتبعني"... قلت في نفسي ربما يريد اصطحابي إلى قاعة الشرف التي يستقبل فيها الدبلوماسيون وكبار المسؤولين فلعلي أستحق ذلك حسب المراسيم المعتمدة في هذا البلد. فتح الباب ودخلت في غرفه متواضعة أقرب إلى غرف السجن التحفظي عندنا. وخرج. نمت على سرير متواضع بالغرفة وبدأت الشكوك والوساوس تنتابني. لم أكن موضع شك من أحد ولم أزر ذلك البلد قط... وليست لدي سوابق فيه... وفجأة طرق الباب ودخل عليَّ اثنان احدهما يحمل كراسة وقلماً وبدأ الاستجواب.. الاسم. العمر. الجنسية. المستوى الدراسي . مكان الحصول عليه. أسباب القدوم إلى هنا. وأسئلة أخرى.. أجبت عن كل الأسئلة وتم التركيز على أسباب القدوم... شرحت لهم الأسباب وحاولوا الاتصال بالجهة التي أرسلت لي التذكرة بعد الدخول إلى موقعها على الإنترنت ورب ضارة نافعة، كانت هناك مشكلة في الاتصال بالشبكة فأخبرتهم بأنه بإمكاني المساعدة والتغلب على الخلل وذلك لخبرتي في أمن وصيانة الشبكات... قبلوا المساعدة وأتقنت المهمة في لمح البصر... لم يخفوني إعجابهم وبدأت اشرح لهم بعض الحلول المقترحة في مثل هذا النوع من الأعطال المعلوماتية.
    وبعد الاتصال بالمقصد أخبروهم على الفور بأن التأشيرة تخص المهندس محمد ولد محمد المصطفى حسب ما هو موضح في شهادة التخرج، وليس محمد ولد سيد الخير كما في جواز السفر، وقتها وجهوا إليَّ تهمة التلاعب وتزوير المستندات ووثائق السفر. قلت لهم إنني بريء من هذه التهمه براءة الذئب من دم يوسف... تذكرت ما جرى بيني وموظف الهجرة والاستيطان في مطار انواكشوط الدولي، وسردت لهم ما جرى هناك. وعدم تفهم السلطات عندنا لهذا التغيير في المستندات بسبب الإحصاء البيومتري الجديد، الذي راحت ضحيته مصالح الكثيرين من حملة الشهادات والمتعاقدين خارج الوطن، فالجوازات الأولى تحمل أسماء مغايرة للجوازات الجديدة... والدولة عندنا تتجاهل ذلك متحججه بأنها تسعى إلى الحصول من هذا الإحصاء البيومتري الجديد على قاعدة بيانات سليمة ينبت بفعلها الزرع والضرع ويسود السلام والوئام... بعد هذه التبريرات كان الحديث ودياً. ولكن القوانين صارمة ولا تحتاج إلى تأويل. أخبروني بعد ذلك بأن تهمة التلاعب والتزوير قد أخلد إثرها إلى سبع سنوات عجاف نافذة في السجن حسب القوانين واللوائح المعمول بها. وقد يتم إسقاطها ما دمت لم ادخل بلدهم .وبعد الشكر والاعتراف بقيمة المعلومات الفنية التي قدمتها لهم للتغلب على أعطال الشبكة أخبروني بأنه سيتم ترحيلي إلى الوجهة القادم منها، وعلى نفس الخطوط واعتذروا لي عن عدم الضيافة لاقتراب موعد رحلة العودة إلى انواكشوط... وقتها تنفست الصعداء وصرخت بأعلى صوتي. ضاع الحلم بسب الحالة المدنية. ضاع الحلم ضاع الحلم ضاع... ضاع... وفجأة شعرت بفاطمة تضمني إليها وتقول بابا اتعيط أمالك ماما اشعدلتلك... بابا اتعيط أمالك مام اشعدلتلك.... استعذت بالله من الشيطان الرجيم وعلمت وقتها أن كل ما حصل كان في ما يراه النائم... ضممت فاطمة إليّ صدري واستمررت في سبات عميق.

ليست هناك تعليقات :