الخميس، 9 مايو 2013

الفيافِ 30: الحمار وحبيبتُه زنبوعه:


الفيافِ 30: الحمار وحبيبتُه زنبوعه:
بينما كان لغظف يتجول في شوارع بغداد، يبحث عن علم به يزداد، إذْ أبصرَ حمارا باركا تحت ظل شجرة، فأقبلَ نحوه وسلم عليه وقال: "يا حمار، هل لك أن تُعطِيني من وقتك دقيقتين، وأعطيك من "رَكـَّـل" مكيالين" ؟ فقال: "لك ذلك، فاسأل أجبْك". فقال لغظف: "هلا أخبرتني عن ما يُستحبُّ في الأتان ويُستملح" ؟ فقال: "إن الحمارَ يحب الحمارة الكسولة "الفَـرَّايَه"، الماكرة "الفِـيدَايَـه"، التي إذا حَملَ عليها مولَ شاريتْ "بَريگـه"، دخلَ منها "ظِيگـه". وقد كانت جميع هذه الصفات متوفرة في زَنْـبوعَه رحمها الله". فقال لغظف: "وما زنبوعة" ؟ فقال الحمار: "إنها أجمل أتان عرفتْها موريتانيا، وقد كانت كلما رآها حمارٌ أحبها وتعلق بها، لِمَا يرى فيها من سواد العينين، وطول الأذنيـن، وبياض الأسنان، ومَظَاويَـةِ اللسان. وكيفَ لا يُحبها الحمير، وقد كانت للصغير صَفَّاطَه، وللكبير كَلْفاطه. فلم يبقَ شاعرٌ في الحمير إلا تغزل بها". فقال لغظف: "هلا أنشدتني بعض ما قيل فيها". فقال: "والله لا أنشدك حتى تُعاهدني على أن تزيدني مكيالا على المكيالين". فقال لغظف: "أعاهدك فأنشدني". فقال الحمار: "كان لها ابن عم يُدعى صيْماعا كلفا بها، وكانت زنبوعة تُفضلُ البغل على الحمار، وكانت ترى أن الحمار غير مثالي، فقال صيماع:
يا صاح قف يوما على الأطلالِ -- واستنشق الرسم القديم البالي
ولـتـبـكِ دارَ حبيبة قد هاجـرتْ -- وتـبرأتْ مـن سـائــر الأوصــــــــالِ
دارًا لـزنـبــوعَ الــتي لعِبتْ بنـا -- لحـظـاتِ وصـل قـد مــضينَ تَــوالِ
يا لـهـفـتـا لـو أنـها كــانت هنا -- ورمـتْ عــلـيَّ بـلـحـظــها القَـتَّالِ
وأَرَيْــــتُهـا مـا أحتويهِ بأضلعي -- لـتـيـقَّـنَـتْ أن الـحـمـار مـثـالـــي
وقال فيها حمارٌ آخر، بعد أن زارتْه لتُسلمَ عليه، وقد كان جريحا مصابا بسبب حمله "لشاريتْ":
رُبَّ عَــيْـرٍ زارتْـهُ زَنـبُـوعَ لـيْلا -- يشتكي من جراحِه في نَواحِهْ
قامَ يمشي بضحكة وسـرور -- بـعد أن كان مُثْـخَناً في جراحِهْ
فالحمارُ الأصيلُ ذاك الذي لا -- يـستـحـيي في غدوه أو روَاحِهْ
ولـيـالـي الحمير تحلو إذا ما -- قــام للـعـشـقِ بـائـحٌ بــبَـواحِهْ
قال الحمار: "ثم إن زنبوعَه أحبتْني وأحببتها، وقررنا أن نُـتِم الابتهاج، بالدخول في الزواج. وكان ذلك من سابع المستحيلات، لأني كنت أخاها من الرضاعة. ولما علِمتْ بذلك بكتْ أشد البكاء، ولم تنفعها حيلة ولا ذكاء. وماتتْ منتحرةً بعد تناول جرعة زائدة من رَكَّـلْ". وبكى الحمارُ عندما قص هذه القصة، فقال لغظف: "أيها الحمار، إن في كلامك اعتبارا، وفي أخبارك ادكارا، ولك مني العزاء، ومن الله أحسن الجزاء". فقال الحمار: "وأين ما وعدتني به من رَكَّـلْ" ؟ فقال لغظف: "أخشى أن يقضي عليك ركل كما قضى على زنبوعة". ثم ذهب لغظف ضاحكا وهو يقول:
تمتَّـعْ بدنياك يا أغــظـفُ -- ولا تَفِ بالوعد يا أظْــرفُ
ولا يخْدَعَنْكَ كلامُ الحميـ -- رِ مهما لـدَمعِهـمُ أذرَفوا
عشتم طويلا...