الثلاثاء، 9 أبريل 2013



الشيخ ولد اخليل

في البدء كانت أبير ثم شنقيط حيث اشتعل أوار الحرب بين سكان المدينة من أبناء الرجل الواحد وظلت الحرب الطحون بين " البيض " و" الكحل " من العلويين سجالا تتخللها فترات هدنة يستغلها القوم فى رحلة الشتاء والصيف للذهاب بالملح شرقا وجلب الميرة والقماش إيابا تلتقي عيرهم مع عير أهل تيشيت فيذهبون إلى زارا العامرة حينها " النوارة " حاليا فى مالي .
وذات هدنة سنة 1660 م ذهبت قافلة من " إدوعل البيظ " تضم معظم الرجال وخلفوا وراءهم بعض الرجال رفقة الشيوخ والنساء والولدان فرأى الإمام محمد أحمد - وكان شيخا ضريرا مقعدا ولكنه كان حكيما مهابا يشتهر بالعلم والصلاح - أنها الفرصة للرحيل وحقن الدماء بعدما استشار ابن خالته الزعيم السياسي للبيض الأمين بن حروش فوافقه الرأي فلم تكن " تنيگِي " منهم ببعيد حيث تفانا أهلها من بني العمومة ودقوا بينهم عطر منشم ، فأذن الإمام بالرحيل فشد القوم الرحال من شنقيط راحلين جنوبا وكانوا كلما نزلو واديا يأمرهم أن يأتوه بقبضة من تراب بطحائه فيشمها فلا يرضاه لهم ، حتى نزلوا واديا يسمى عيون البقر هو وادي " تگگجه" تجگجه حاليا فقال لهم هذه بقعة خير وغرس فنزلوا فيها وقال لهم : ابنوا المسجد فى مكاني هذا
وحين قفول القافلة قادمة من بلاد السودان " زارا " وجدوا أهلهم قد استقروا فى " تگگجه " فاستقر النوى بالقوم من إدوعل البيظ ، وعمروا المكان وكان واديا به غابة كثيفة فاستعانوا بأولاد طلحة من ادوعيش لقطع الأشجار وحين هموا ببناء الدور حملوا لهم الحجر لبناء المنازل وجعلوا لهم خمسة أمداد من التمر فى كل سنة عن كل دار مدة من الزمن .
ازدهرت تجكجه ويرجع فضل نموها إلى وقوعها فى قلب البلاد و إلى واحات نخيلها الغناء التى جعلت منها عبر العصور معبرا للقوافل مابين تيشيت وشنقيط وزارا وولاتة ووادان
ولد بها علامة شنقيط وشيخ شيوخها العلامة سيدعبد الله بن الحاج ابراهيم - 1739- 1818 م - بن الإمام عبد الرحمن بن الإمام محمد أحمد .وبها قتل مهندس الإستعمار الفرنسي اكزافيى كبولاني 1905 م .
ومن إدوعل البيض انحدر أهل محم ول اعبيدلِّ ومنهم أهل اخليل
و في سنة 1949 ولد الشيخ في مدينة تجكجة الوادعة ، توفي أبواه وهو صغير فنشأ في كنف عمه محمد محمود ورعاية خاليه محمد أحمد و محمد محمود أبناء سيدي ولد ديدي
نشأ كما ينشأ ناشئ الفتيان من قومه فحفظ القرءان الكريم وتعلم علوم الشرع من حديث و أصول وفقه ومنطق، ودرس علوم العربية من لغة ونحو وصرف، درس فى تجكجه وروصو وبعدها درس الإعلام فى كوت ديفوار وعاد للمنتبذ القصي والتحق بالإذاعة الوطنية فكان من الجيل اللاحق لجيل الرواد الأول .
كان الأثير يحمل العبارة المدوية بصوته الرجولي المجلجل: هنا انواكشوط ، الواحدة زوالا .. لحظات فالأخبار، وبعد اللحن المميّز نشرة الأخبار نبدؤها بالمقدمة ..
كانت تلكم مقدمة النشرة وإليكموها بالتفصيل ، افتتاحية مدوية تتضمن بعض أقوال باني الأمة وابنها البار الأستاذ المختارولد داداه " فلنبن جميعا الوطن الموريتاني ..اجتماع المكتب السياسي الوطني لحزب الشعب الموريتاني تحت رئاسة الأستاذ المختار ولد داداه الأمين العام للحزب رئيس الدولة ، ثم بعض الأنباءالمحلية فالدولية ..الكيان الصهيوني و كورت فالدهايم والأمم المتحدة وابروتوريا و روديسيا و نظام إيان سميث العنصري و...
كان لصوت الشيخ ولد اخليل خلال حرب الصحراء الأثر المعنوي الكبير فى النفوس من خلال الإفتتاحيات المدوية وأخبار سير المعارك وكان الأهالي يتحلقون حول المذياع لسماع آخر أخبار الحرب ، وكانت أكثر المعارك ضراوة في الصحراء تلك التي جرت حول مدينة أوسرد الواقعة في وسط تيرس الغربية والتي توجد بها أكبرقواعد جبهة البوليزايو في المنطقة ، وقد هجرها أغلب سكانها مع بدء الاجتياح للإقليم، وهي محاطة بحصون منيعة أقامها الاسبان منذ بداية احتلالهم للمنطقة وبسلسلة جبلية تحيط بها من كل الجهات تقريبا مما يعني بالمقاييس العسكرية الدفاع عنها بسهولة واقتحامها بصعوبة، خصوصا في ظل تواضع الاسناد الجوي للقوات المسلحة الموريتانية المهاجمة مع أن هذه المدينة مهمة بالنسبة للصحراويين وتمثل أهم و آخر معاقلهم في المنطقة، لذلك كان لابد للقوات الموريتانية من احتلالها لوقوعها على الطريق الصحراوي الرابط بين مدن الشمال الموريتاني والمدن الصحراوية ولتكمل بذلك حملتها العسكرية وتقضي على الخطر الذي يمثله مقاتلو ا جبهة البوليساريو فدارت معركة تحرير عنيفة دامت خمسة عشر يوما وفي 6 فبراير1976 حمل الشيخ ولد اخليل البشارة عبر الأثير لأهل المنتبذ القصي : إن علمنا يرفرف الآن خفاقا فوق مدينة أوسرد بعد أن حررتها قواتنا المسلحة الباسلة وانطلقت الأناشيد الحماسية عبر الأثير :
اتقوّي يالجلال = كتائب مورتان
شكل الشيخ ثنائيا "دويتو" مع اللامعة الناهة بنت سيدي قل نظيره في الإذاعات، كانت الإذاعة جميلة كزمنها الجميل
ديدي ولد اسويدي و باب شياخ وخطري ولد جدو ومحمد محمود ولد وددادي وعبد الوهاب ولد الشيكر ومحمد الأمين ولد النّونً وعينين ولد أييه واسماعيل ولد محمد يحظيه دامس ولد لكبيد وبداه ولد الكَوار ومحمدن ولد أحمدو سالم و عبد الله ولد محمدو ويحي حي اللذين شدا المستمعين بصوتيهما الشجيين عندما أمضيا فترة في القسم العربي للبي بي سي وشاركهما التقديم الإعلامي الليبي الشهير مصطفى رمضان ، الدده محمد الأمين السالك ومحمد سالم ولد بوكه أحمد يعقوب البرناوي و إبراهيم ولد عبد الله حبيب ولد من بميم مفخمة وأحمدُ ولد ميح والمختار ولد لسان الدين وبدّن ولد عابدين و محمد ولد ممّين ومصطفى عمر وعبد القادر ولد العيل ومحمد كابر هاشم و حدمين سادي ومحمد الأمين علال ومحمد المختار ولد إياهي و يدالي حسن ومحمد الأمين ولد دندو وكولبالي سليمان وأحمد سالم ولد مولاي اعل وعبد الله ولد سيد محمود و دحن حمود و ينصرها بنت أحمد محمود و المصطفي ولد أعلمبطالب والسني عبداوة ومحمد ولد خرشي، وعميد الأدب الشعبي محمدن ولد سيد ابراهيم والأديبين ابوكي ولد اعليات و ساليمو ولد إعيدو والرياضة مع سيدي ابراهيم ولد حامدينو
البرامج الدينية " من هدي الإسلام" و "محظرة على الهواء " محمد يحظيه ولد البار ومحمد الأمين الشيخ ومرشد الإذاعة المرحوم محمد محفوظ ولد محمد الأمين ومحمد الحبيب ول من بميم مرققة والشيوخ عدود و حمدا ولد التاه وعبد العزيز سي
البرامج والمنوعات : " آداب العرب " محمود الخضرا وبرنامج مثل "هموم الناس" و " تلفون 52164 " و "قرأت لك" و "من هنا وهناك" و"دروس من الأدب الشعبي" و "نزهة المغتربين" و"روضة الأطفال " و "أنت تسأل ونحن نجيب" و"الخالدون" والبلاغات والإتصالات الشعبية المصطفي ولد بون و "لقطات حية" مع محمد ولد ابابه و محمد ولد اعل وركان ..
/
و رغم ثقافتة الفرنكفونية الواسعة وتضلعه من لغة القوم " آل موليير " فقد كان يحفظ القرءان وكان ضليعا فى اللغة والفقه والأدب موسوعة فى أشعار العرب وأيامهم وكان متعدد المواهب نابها وكان جهوريّ الصوت سليم اللغة رصين الأسلوب ، عمل مقدما لنشرات الأخبار فى الإذاعة الوطنية ومعلقا سياسيا ومديرا لقطاع الأخبار ، كان الشيخ هو الطائر المحكي وكان الآخرون الصدى
حين انقلب العسكر على الحكم المدني لم يرق الجو للشيخ ولم ير فى أصحاب الأحذية الخشنة مشروعا للإنقاذ ولا للخلاص فكان فى نشراته كثير الخروج عن النص وذات خروج على النص فى احدى النشرات سنة 1979 كان العسكر قد انقلبوا على الشرعية في نيجيريا فأذاع الشيخ الخبر عبر الأثير قائلا : انقلب العسكر على الشرعية وأزالوا الحكم المدني وكذلك يفعلون ..
فأقاله العسكر في المنتبذ القصي لقوله وكذلك يفعلون ..
الحر لايساير الزيف ذكرني بقصة صحفي من نيجيريا كان يذيع نشرة الأخبار فى بث مباشرعلى الهواء فى التلفزيون النيجيري إبان حكم العسكر : كان يقرأ اضبارة من الأوراق :قال الجنرال وقال العسكر والبناء ومحاربة الفساد .. فماكان منه إلا أن رمى الأوراق فى أوجه المشاهدين وقال على الهواء : كفانا كذبا كفانا هراء .. فتم قطع البث..
غادر الشيخ إذاعة العسكر غير آسف عليهم .. إذا ترحّلتَ عن قوم وقد قدروا- أن لاتفارقهم فالراحلون هُمُ ، وفى بداية الثمانينات تعاقدت معه الشركة الوطنية للصناعة والمناجم " اسنيم " ليقدم برنامجا خاصا لها عبرالإذاعة فشنف الآذان من جديد بصوته الصادح القادم من خلف الغيوم فى انواذيب ، بعد ذلك تفرغ الشيخ للأعمال الحرة وكان ناجحا فعمل فى الصيد البحري وبعض الأعمال التجارية الأخري ، ثم تفرغ للعبادة وبني مسجدا فى انواذيب بناه على نفقته و ظل قيّما عليه وإماما راتبا له يؤم الناس ويقوم فيهم خطيبا بصوته الشجي الخاشع ومعارفه الثّرة وخلقه العظيم وتواضعه الجم.
في يوم الأحد 7 فبراير 2010،أسلم الشيخ ولد اخليل الروح لباريها بعد مسيرة حافلة مشرقة مشرفة .

رحم الله الشيخ ولد اخليل كان رجلا من الزمن الجميل

كامل الود

ليست هناك تعليقات :