ها هي قضية جديدة تطل على الموريتانيين وشكل جديد من أشكال الإلحاد والإساءة إلى المقدسات في موريتانيا التي مافتئت تظهر فيها قضايا تبدوا مثيرة للجدل من الناحية الدينية بدأ بحرق الكتب إلى الإساءة إلى رسوله الله و"تمزيق المصحف" وصولا إلى الإساءة إلى
الذات الإلهية وسب رسول الله ، ظواهر متعددة من هذا النوع تأخذ أشكالا عديدة من حيث العفوية والافتعال ، ومن حيث الأسباب والأشكال . فما هي ملابسات هذه الأفعال؟ وما أسبابها؟ وكيف تشكلت بلون الخريطة الوطنية للسكان؟ وهل هذه الأفعال هي أداة التغيير الذي يشهده المجتمع ؟ أم هي ردة فعل طبيعية على التحجر التي يمارس في هذا المجتمع ؟
يبدوا أن السنوات الخمس الأخيرة تحمل لموريتانيا ما هو خارج عن المألوف حسب المحافظين الذين يرون في مجتمعهم المجتمع المقدس ، كما أجد من الغرابة أني أصبحت مصابا بهستيريا متابعة الأحداث والكتابة عنها، إلا أن هذا الحدث أراه من المناسب الكتابة عنه لأعبر عن الكثير من الأمور التي أراها من الأهمية بمكان ، فقد شكل هذا الحدث استثناء في مسلسل ما بات يعرف بالإساءة إلى المقدسات ، كما أخذ كذلك عدة أشكال يمكن أن نحصر بعضها في النقاط التالية :
1 ــ تبدوا هذه السنة الثالثة التي تحدث فيها إساءة إلى المقدسات الدينية في موريتانيا وصادرة من طرف موريتاني وهو المسلسل الذي يحمل في طياته أحد أهم الأمور التي باتت تأرق صفو المواطن البسيط الذي لا يري سببا منطقيا يدفع أحد أفراد مجتمعه إلى الإساءة إلى مقدساته ، هو تاريخ من حيث التسلسل يشكل هو الآخر خاصية تدخل في هذا الإطار ، وبالطبع لازلت أتذكر السنوات الأخيرة التي حدث فيها نوع مشابه من هذه الأحداث ، كما يبدوا أن هناك رابط قوي بين الأحداث السياسية التي يمر بالبلد وموجة الإلحاد، هو ظهور يقابل الأزمة السياسية ربما هناك قاسم مشترك بين هذين الحدثين وهذا يبدوا واضحا أكثر من حيث أن الصراع السياسي الذي تشهده موريتانيا هناك الكثير من أفراد هذا المجتمع لا يرون لأنفسهم موطئ قدم في هذا المجال وهو ما يدفع بدوره بعض الأفراد إلى البحث عن صيغة جديدة يرون فيها أنفسهم بشكل أكثر وضوحا ، كما أن ظهور هذه الموجة الإلحادية في ظل الصراع السياسية يمكن أن تفسر بأنها أقرب من الصراع الإثنيات الذي هو الآخر نوع من التعبير عن الذات بلغة أكثر صرامة من الخطاب السياسي الذي لم يعد مجدي حسب تعبير الكثير من المتابعين لهذا المجال، هي أساليب جديدة من التعبير عن الذات وإثبات الوجود يعتمد عليها الكثير من الأفراد للتعبير عن متطلباتهم أو غاية منهم في الظهور في المشهد السياسي والمشاركة فيه انطلاقا من موقعهم الخاص .
2 ــ مما يلفت الانتباه في هذا المجال أن موجة الإلحاد في موريتانيا تشكل خريطة تجمع الوحدة الوطنية مما يعني أن المتبنين لهذا الخطاب يتجاوزون الصيغة الإثنية أو الشرائحية كما نلاحظ في الكثير من الخطابات الإيديولوجية الثانية ، وهذه النقطة بالنسبة لي تشكل أكثر النقاط غرابة حيث بدأت "ببيرام ، فولد امخيطير ، وولد الشيخ محمد المامي " كيف تشكلت هذه المجموعة وتوحدت في أفعالها رغم تباعد مشاربها الإثنية ، وهنا لست بصدد تقديم الأصح أو الأكثر تدينا أو أن المعرفة حكرا على بعض الشرائح من الثانية تلك نظرية متجاوزة بالنسبة لي ، وإنما أردت القول أن التغير الذي طرأ على المجتمع مس جميع الشرائح الموريتانية ، كما أجد من اللازم الحديث عن هذا الترابط الميكانيكي إذا صح التعبير لكي تبدوا فيه الصورة أكثر وضوحا لا يمكن أن نقول أنه جاء من فراغ أو بطريقة عفوية ، ربما هناك الكثير من الأحداث التي تحدث يوميا من هذا القبيل لكن تسليط الضوء عليها بهذه الطريقة يدفعني إلى اعتبار أن هناك رسالة مشفرة تكمل وراء كواليس هذه الأحداث ، كما يمكن أيضا قراءة هذه الوحدة في الفعل من زاوية ثانية وهي أن مشاركة جميع مكونات المجتمع في هذا الحدث يعطيننا فكرة واضحة حول مبادئ التغير التي ينادي بها كل فرد انطلاقا من موقعه في الخريطة الاجتماعية ، إلا أن الإساءة إلى المقدسات تأخذا بعدا أكثر من محاولة تغيير واقع ، وهو أن هذه المجموعة حسب اعتقادي يمكن أن تكون هي من أرادت الفعل لكنه تم استغلاله من طرف آخرين ليجيشوا به مجموعات ضاغطة على السلطة أو الرأي العام ، كما رأينا من خلال الأحداث الماضية ، حيث تم تجيش الكثير من أفراد المجتمع من جميع مساجد نواكشوط والتي كان "يحظيه ولد داهي" يستعرض بها قوته ونفوذه على السلطة ، كما أن استغلال السلطة لهذا الموقف يبدوا واضحا خصوصا عند الاستعراض الذي حدث في الفترة تلت حرق برام للكتب ومقال ولد امخيطير الذي احتشد لهما الكثير من الناس وانتهي الجمع بخطاب للرئيس يؤكد في مقولته المشهورة (نحن دولة مسلمة ولنا علمانيين!) ، إلا أن السلطة في تلك الفترة حصلت على العصي السحرية لتخفيف ضغط المعارضة وإجهاض فكرة الثورة في موريتانيا ، كما يمكن القول أن المعارضة هي الأخرى ليس مستبعدا عليها استغلال أحداث من هذا النوع خصوصا أنها فشلت في إقناع المجتمع للخروج من أجل إسقاط السلطة ، فاستغلال الحدث هنا ليس سمة يمكن أن يتورع عنها أي من الأطراف الموريتانية المتصارعة إذا لم يفعلها كما حدث "تمزيق المصحف" .
3 ــ أما من حيث العفوية فإن الصفة تبدوا مستبعدة جدا بالنسبة لي خصوصا من حيث تركيز الإعلام على بعض الأشخاص وترك البعض الآخر فظاهرة الإلحاد على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر بكثير من ولد امخيطير وولد الشيخ محمد المامي فلماذا توقف إعلامنا! عليهم فقط ؟ هي صورة أخرى من أحداث المشهد الذي يبدوا غائما كليا خصوصا عند معرفة الحالة العامة التي يقع فيها إعلامنا! الذي لا يمثل أي أهمية بالنسبة لي من حيث هو إعلام يفتقر أو يحتاج إلى مسمي (إعلام) فهو يحمل فقط التسمية ، فهناك نوع من تسليط الضوء أكثر على بعض الأحداث دون غيرها وصنع بعضها الآخر ، وهنا لا يمكنني أن أهمل الفرصة للتحدث عن الفترة الأخيرة التي شهدت فيها مدينة نواكشوط مجموعة جرائم كبري من اغتصاب وقتل كان الإعلام وقتها نائم ــينتظر ولد الشيخ محمد المامي وولد امخيطيرــ فهذه الجرائم على الأقل تمس حياة المجتمع بينما الإساءة إلى المقدسات لا تضرها بشيء ، وهنا يبدوا لي دور الإعلام بشكل أكثر وضوحا باعتباره أداة للتدجين السياسي والتشويق والتحريض الشرائحي والإثني والطائفي والأيديولوجي .... الذي يدخل هو الآخر في صنع الأحداث أو تجنيد المجتمع للخروج فيما بات يعرف بخلية "أحباب الرسول" أو حركة "إيرا" أو "المعارضة" أو "الموالاة" أو جماعة "ولد أحمد عيشة" ......
4 ــ كنت قد كتبت سابقا تدوينه تحمل ما مضمونه أن المجتمع الموريتاني هو السبب في الكثير من التطرف والإرهاب والإلحاد الذي تبدوا موجته طاغية في هذه الفترة وذلك أن التحجر الديني والتدخل في خصوصيات الأفراد من أكثر المسائل التي تدفع بالفرد إلى الانحراف عن ترسانة القيم المتواضع ، ففكرة المجتمع المتجانس تعد مسألة غير قابلة للتحقق خصوصا أن الصيغ الاجتماعية الماضية كان المستفيدين منها أقلية على حساب أكثرية محرومة أو مقصية عكس الصيغ الجديدة التي تبدوا ملامحها تظهر بشكل تدريجي والتي يبدوا فيها المجتمع ظاهرا فيه التمايز ، ولكن رغم ذلك لم نصل بعد إلى مرحلة نحترم فيها الآخر فأنا لا أهتم إن كان هذا الشخص ملحدا أو مسيحيا إلا أنني أحترمه وأترك له معتقده ومقدساته لكي يحترمني ويترك لي مقدساتي، { وَلَا تَسُبُّ الذِينَ يَدْعُونَ مِن دًونِ اللَّهَ عَدْواً بِغَيْر عِلْمٍ ...}، فاعتناق أي فكرة جديدة في موريتانيا يتعرض أصحابها للكثير من الإكراه والسب والشتم ولذلك من الطبيعي أن تكون لديه عدائية اتجاه المجتمع ومقدساته أو ما يعرف برد الجميل ، فعندما دخلت صفحات بعض الملحدين الموريتانيين وجدت أن ما يقومون به من إساءة إلى مقدسات المجتمع هو ردة فعل طبيعية اتجاه آخر يصفهم بأفظع الأوصاف ويشتمهم ويسبهم ، فالتحجر الذي يسكن نفوسنا اتجاه أي فرد اختار طريقا غير طريقنا هو ما دفع الآخر إلى رد فعل اتجاه مقدسات المجتمع خصوصا أنه يتمتع بنفس التحجر والتقوقع على الفكرة التي يؤمن بها ، فالإساءة إلى المقدسات بالنسبة لي ليس نابعة من الآخر بقدر ما هي ردة فعل على التحجر الذي نمارس نحن على الآخر .
وخلاصة القول أن الإساءة إلى المقدسات هي من إنتاج صفة الوصم التي نلحقها بالآخر أكثر منها صفة يعطيها الآخر لمقدساتنا ، كما أن هذه الأحداث تبدوا شائكة من حيث انتشار صيت الإلحاد وظهور صيغ جديد من التطرف ليس فقط على مستوي المعتقد وإنما أيضا على جميع جوانب الحياة الاجتماعية في موريتانيا ، كما أن ظهور ولد الشيخ محمد المامي يسقط للعامة الفرضية للقائلة بأن الإلحاد والتطرف معرض لها فقط أبناء الشرائح التي لم تحصل على حقها الطبيعي من التعليم دون الأخرى ، ويبدوا من هذه الأحداث أن فكرة التجانس والاستاتيكا الاجتماعية لم تعد مسألة قائمة ولا حتى قابلة للتطور، بل إن طبيعة الأحداث التي تشهدها موريتانيا تفرض إعادة التعاقد من جديد بشكل يضمن لكل فرد تمثيل عادل في الحصول على حقوقه الطبيعي ليس من أجل فتح الفرصة لأي شخص يأخذ الطريقة التي يختار فقط ، وإنما أيضا من أجل أن لا تتفاقم الأزمة وتنتقل فكرة الصراع من صراع تقليدي ــ معارضة موالاة ــ إلى صراع جديد ــ طائفي، إيديولوجي، شرائحي... ــ ربما يكون أكثر عنفا من الصراع القديم .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق